أسعار خام الحديد تقترب من أعلى مستوى في 5 سنوات .. بلغت 120 دولارا للطن
بلغ سعر خام الحديد نحو 120 دولارا للطن الواحد، ليقترب بذلك من أعلى مستوى له في خمس سنوات. فكارثة انهيار سد منجم كوريجدو فيجاو جنوب شرق البرازيل، أسفرت عن تراجع الصادرات البرازيلية من الخام، بعد توقعات سابقة بأن تشهد نموا هذا العام، وبعد شهرين من تلك الكارثة أدت الظروف الجوية السيئة في أستراليا، وإعصار فيرونيكا الذي ضرب المنطقة الرئيسة المنتجة لخام الحديد إلى تقليص الإنتاج، بحيث كانت صادرات أستراليا من الخام في آذار (مارس) الماضي الأقل في السنوات الثلاث الماضية.
وتراجعت الشحنات الأسترالية المصدرة إلى الخارج خاصة إلى الصين، في الوقت الذي ترافق ذلك مع زيادة إنتاج المصانع الصينية من الصلب، ومن ثم زيادة طلبها على خام الحديد، وكان الاختلال بين العرض المتراجع والطلب المتزايد العامل الرئيس وراء ارتفاع الأسعار، على الأقل من وجهة نظر عدد كبير من الخبراء.
وبات السؤال: هل نحن أمام ارتفاع مؤقت في أسعار الخام لأسباب طارئة، أم أننا نواجه وضعا استثنائيا سيستمر لبعض الوقت، بما له من تأثير في عدد من القطاعات المهمة أبرزها صناعة الصلب؟ وهل نحن أمام وضع صحي للأسواق يسمح بانتعاشها على الأمد الطويل، وما تأثير هذا الارتفاع في صناعة الصلب العالمية، التي تعد أحد أحجار الزاوية في قطاع البناء والتشييد؟
في أواخر الشهر الماضي اجتمع ثمانية من كبار مصنعي الصلب في الصين لدراسة القضايا التي تؤثر في الصناعة، وعلى الرغم من أنه لم يتسرب كثير مما دار في اللقاء، إلا أن من بين ما تسرب قيام المجموعة بدراسة ما إذا كانت أسعار خام الحديد تعكس السوق بدقة، وبحث دور المضاربين في أسواق العقود المستقبلية، وكشف هذا الاجتماع عن طبيعة التحديات التي تواجه صناعة الصلب في الصين، خاصة مع مواصلة أسعار خام الحديد الارتفاع.
وقال لـ"الاقتصادية" ريتشارد فراي المحلل المالي في بورصة لندن، إنه من الصعب تبرير الجولة الأخيرة من الارتفاع في الأسعار، فمن وجهة نظري الإمدادات البرازيلية والأسترالية في تعاف، ومن ثم لا يجب أن تكون الأسعار مرتفعة عند تلك المستويات.
وأضاف، "شحنات أيار (مايو) من خام الحديد بلغت 127 مليون طن وهذا ثاني أعلى معدل على الإطلاق، في الوقت ذاته الطلب يتلاشى مع تراجع مؤشر المشتريات الصناعية الصينية، ومن ثم هناك عوامل أخرى غير العرض والطلب تحرك الأسواق".
ويواصل ريتشارد فراي قائلا، "إن المحرك الرئيس للارتفاع الراهن في الأسعار هو الانخفاض المستمر في مخزونات الموانئ من الخام، وكذلك المضاربين الذين يمتلكون أموالا مستثمرة في العقود المستقبلية لخام الحديد، وهؤلاء يتمتعون بقدرة كبيرة على تحريك الأسواق لصالحهم".
وأوضح أن أسعار خام الحديد التي لا تزال تقارب 120 دولارا أمريكيا للطن، أقل بكثير من الرقم القياسي الذي حققه الخام عام 2011 والبالغ 191 دولارا للطن حينها، أو 160 دولارا للطن الذي تم الوصول إليه في آخر ارتفاع كبير منذ سبع سنوات، مع هذا فإن السعر الحالي لا يزال كبيرا ويضغط بشدة على منتجي الصلب خاصة في الصين التي تنتج بمفردها نصف إنتاج الفولاذ في العالم، كما أن الاتجاهات لديها تحدد وضع الصناعة في العالم برمته.
في هذا الإطار يتشكك بعض الخبراء في أن يواصل خام الحديد مسيرته السعرية المرتفعة حاليا.
ويعلق الخبير الاستثماري هارولد سبنسر لـ"الاقتصادية" قائلا، "من غير المتوقع أن تستمر أسعار الخام مرتفعة العام المقبل، وفي الغالب ستتراجع الأسعار إلى نطاق يراوح بين 80 و90 دولارا بحلول كانون الثاني (يناير) أو شباط (فبراير) المقبل على أقصى تقدير، وهذا قد يسهم في إنعاش صناعة الصلب الصينية، خاصة في ظل عمليات الاندماج التي تشهدها الصناعة، وإغلاق السلطات مصانع عديد من المنتجين غير الشرعيين أو غير المرخصين، وهذا قد يسفر عن تحقيق صناعة الصلب هوامش ربحية عالية"، إلا أن أغلب وجهات النظر تلك لا تأخذ في الاعتبار الاستراتيجية التي يمكن أن تتبناها شركات إنتاج خام الحديد خاصة الأسترالية والبرازيلية للإبقاء على الأوضاع الراهنة لصالحها.
وبالنسبة للبرازيل لا تزال صادراتها من الخام منخفضة، فإجمالي صادراتها خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام بلغت نحو 162.39 مليون طن، بانخفاض قدره 9.8 في المائة على أساس سنوي، وعلى الرغم من أن الشحنات إلى الصين مثلت الحصة الأكبر من الصادرات، إلا أن الكميات في النصف الأول من هذا العام انخفضت إلى 87 مليون طن، بانخفاض 16.3 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، كما انخفضت صادراتها إلى الدول الرئيسة المنتجة للفولاذ في آسيا في الفترة نفسها لتعكس تقلص الإمدادات، فالكمية المصدرة لليابان لم تزد على سبعة ملايين طن بانخفاض 20 في المائة، ولكوريا أربعة ملايين طن بانخفاض 7 في المائة.
كما يرجح البعض أن تواصل المناجم الأسترالية الحفاظ على معدلات إنتاج منخفضة نسبيا، للإبقاء على الأسعار مرتفعة، أو إحداث زيادة إنتاجية طفيفة لا تسمح بأي حال بانخفاض ملموس في الأسعار.
من جانبه قال وليم موريس من شركة أنجلو أمريكان، إن "أفضل التقديرات تشير إلى أن إنتاج هذا العام سيزيد في أفضل تقدير بنحو خمسة ملايين طن عن إنتاج العام الماضي البالغ نحو 400 مليون طن، لكن هذا يقل بمقدار عشرة ملايين طن عن مستويات الإنتاج لعام 2017".
كما يتوقع موريس أن يظل إنتاج الصين من الصلب قويا، في ضوء تشجيع الحكومة الصينية قطاع الإنشاء والتشييد لتحفيز الاقتصاد وتخفيف الآثار السلبية الناجمة عن التوترات التجارية.
وأضاف، أن مصير السوق سيعتمد على إنتاج الصين من الصلب، إذا استمرت المستويات الإنتاجية في الارتفاع، فلن تكون هناك فرصة أمام الشركات المتاجرة في خام الحديد في زيادة المخزون هذا العام، ومن دون زيادة المخزون ستواصل أسعار خام الحديد في الارتفاع.
وبصفة عامة يمكن القول، إن عام 2019 كان عاما استثنائيا من حيث تعطل إمدادات خام الحديد، إلا أن التوقعات تتغير في اتجاه التحسن، ولكن ربما ليس بالمعدل الذي تفضله الأسواق، فالبرازيل لم تستعد طاقتها الإنتاجية التامة، وأستراليا في طريقها إلى التعافي من الموانع "الطبيعية"، إلا أن الشركات لا تستثمر في مشاريع جديدة كبرى، وإنما تستغل الأرباح المحققة لسداد الديون، وتوزيع الفائض على المساهمين والقيام ببعض الاستثمارات الموفرة للتكاليف، وهو ما قد يترجم عمليا إلى بقاء السعر مرتفعا ولكن لبضعة أشهر ليس إلا.