المصارف غير سعيدة .. ليست مدعوة إلى حفل منطقة اليورو

المصارف غير سعيدة .. ليست مدعوة إلى حفل منطقة اليورو

أمضى المستثمرون الأسابيع الستة الماضية يستعدون لموقف ماريو دراجي الأخير. منذ أن ألمح رئيس البنك المركزي الأوروبي في خطاب في منتصف حزيران (يونيو) إلى أنه يعتزم إنهاء فترة ولايته بمجموعة من التدابير التحفيزية الجديدة، كانت الأسواق في حالة من المرح، حققت معها أسهم وسندات منطقة اليورو مكاسب كبيرة. لكن هناك قطاع واحد كان غائبا بشكل ملحوظ عن الاحتفالات: مصارف المنطقة.
وراء نشوة السوق بهدية الفراق المحتملة من دراجي تكمن حالة من القلق لكون تسهيل البنك المركزي الأوروبي يخنق ببطء مصارف منطقة اليورو. فمع أن عوائد السندات الحكومية بلغت مستويات قياسية ومؤشر يورو ستوكس ارتفع 15 في المائة هذا العام، إلا أن المؤشر الفرعي للأسهم المالية انخفض قليلاً.
وأُلقي باللوم على نطاق واسع على أسعار الفائدة دون الصفرية واعتبارها مسؤولة عن تفاقم المشكلات الأخيرة في دويتشه بانك، الذي شرع في تخفيض 18 ألف وظيفة في إطار خطة تحول. رالف هامرز، الرئيس التنفيذي لـ ING، انتقد البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي، معتبرا أن هذا "ليس الوقت المناسب" لمزيد من التسهيل الذي من شأنه إلحاق الضرر بثقة المستهلكين.
هذا بدوره أثار قلقا أوسع: من خلال إعاقة القطاع المصرفي قد يقلص البنك الأوروبي المركزي الفائدة الإجمالية التي تعود على الاقتصاد نتيجة تخفيضات أسعار الفائدة.
سلمان أحمد، كبير المحللين الاستثماريين في "لومبارد أودييه لإدارة الاستثمار"، قال: "إذا أردت أن تنجح السياسة النقدية، فأنت بحاجة إلى قطاع مصرفي سليم. إذا راكمت كثيرا من الأعباء على المصارف، فإن مزيدا من تخفيضات أسعار الفائدة سيؤدي إلى نتائج عكسية".
مثل هذه المخاوف من المنتظر أن تزداد، إذ من المتوقع أن يخفض دراجي في أيلول (سبتمبر) أسعار فائدة الودائع في البنك المركزي أكثر، فضلا عن احتمال إحياء برنامج شراء السندات الخاص به.
أسعار الفائدة السلبية تعمل على شكل ضريبة على المصارف. حاليا مصارف منطقة اليورو تضع أكثر من 1.7 تريليون يورو من السيولة الفائضة في البنك المركزي. وبما أن سعر الفائدة على الودائع في البنك المركزي الأوروبي يبلغ الآن سالب 0.4 في المائة، فإن التكلفة الإجمالية تبلغ نحو سبعة مليارات يورو كل عام. في الوقت نفسه، من الصعب على المصارف تمرير هذا العبء إلى زبائنها في العالم الحقيقي – لا أحد يريد فرض رسوم على الزبائن الأفراد مقابل ودائعهم، كما يخطط "يو بي إس" أن يفعل مع بعض العملاء السويسريين الأثرياء. النتيجة ضغط مؤلم على هوامش الأرباح.
البنك المركزي الأوروبي لديه خطة لتخفيف عبء أسعار الفائدة المنخفضة، من خلال إعفاء أجزاء من هذه الاحتياطيات الفائضة من الرسوم العقابية – وهو ما يسمى تدرج أسعار الفائدة السلبية.
من المؤكد أن مثل هذه الخطط ستجلب الراحة للمصارف الكبيرة في البلدان الرئيسية في منطقة اليورو، التي تمثل حصة الأسد من فائض الاحتياطيات في البنك المركزي الأوروبي – ألمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا والنمسا ولوكسمبورج تشكل أكثر من 80 في المائة، وفقا لأبولين مينو، خبيرة اقتصاد منطقة اليورو في شركة أكسا إنفستمنت مانيجرز.
تركيز الاحتياطيات في الأنظمة المصرفية لعدد قليل من البلدان يعني أنه سيتم أيضا تركيز فوائد التدرج. المصارف الإقليمية في إيطاليا وإسبانيا، التي يعتمد بعضها على ودائع الأفراد أكثر من الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات، لن تشعر بارتياح كبير.
بالنسبة للنظام المصرفي ككل، التصميم الدقيق لنظام التدرج يعد مشكلة شائكة. قالت مينو، "هناك توازن جيد يجب تحقيقه: إعفاء كثير من الودائع من رسوم الودائع السلبية يمكن أن يسبب تشديدا في الظروف المالية مماثلا لارتفاع أسعار الفائدة. وإعفاء جزء صغير فقط من الودائع من رسوم الودائع يؤدي في الأساس إلى الحد من غرض التدرج".
البنك المركزي الأوروبي نفسه كان حريصا على الإشارة إلى أن الأضرار التي لحقت بأرباح المصارف بسبب أسعار الفائدة السلبية تم تعويضها بآثار أخرى، أكثر إيجابية، من جهود التحفيز. لويس دي جويندوس، نائب رئيس البنك المركزي، قال الشهر الماضي إن التأثير الإجمالي لسياسته النقدية على ربحية القطاع المصرفي "محايد على نطاق واسع".
أضاف دي جويندوس: "مع ذلك، يجب مراقبة الآثار الإجمالية لأسعار الفائدة السلبية في القطاع المصرفي بحذر، خاصة أن ميزان آثارها سيعتمد على مدة بقاء أسعار الفائدة في المنطقة السلبية".
هذه النقطة الأخيرة ربما تكون مصدر قلق كبير للمستثمرين في أسهم المصارف الأوروبية. الحديث عن التدرج يبدو نوعا من التأكيد النهائي على أن أسعار الفائدة دون الصفر بشكل عميق وجدت لتبقى.
ريتشارد بارويل، رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في "بي إن بي باريبا لإدارة الأصول"، يرى أن "الفكرة التي تثير قلق المستثمرين هي احتمال أن تكون أسعار الفائدة منخفضة أكثر لفترة أطول وتتراجع دوريا في المستقبل، وهذا يبدو كأنه ضغط هيكلي على صافي هوامش الفائدة".
هناك طرق أخرى يمكن أن يسعى إليها دراجي لتخفيف الألم. توقف البنك المركزي الأوروبي حتى الآن عن شراء السندات المصرفية بموجب برنامج التسهيل الكمي الخاص به، جزئيا بسبب تضارب مصالح محتمل ناشئ عن دوره منظما للقطاع المالي.
جولة جديدة من برنامج التسهيل الكمي قد تؤدي إلى التخلي عن مثل هذا التردد، بحسب مارشيل ألكساندروفيتش، خبير الاقتصاد في "جيفريز". إضافة إلى تخفيض تكاليف الاقتراض في المصارف، فإن مثل هذه الخطوة تسمح للبنك المركزي الأوروبي بزيادة عمليات شراء السندات في الوقت الذي تعاني فيه السندات الحكومية نقصا في العرض. "هذا يصطاد عصفورين بحجر واحد" كما يقول ألكساندروفيتش.
في الوقت الحالي، ليست هناك دلائل تذكر على اختفاء حالة الكآبة المتزايدة لدى القطاع المصرفي في منطقة اليورو. في رحلة أخيرا إلى الولايات المتحدة، وجد ألكساندروفيتش مديري الصناديق مترددين في التعامل مع القطاع.
قال: "إذا كانت الخطوة التالية في أسعار الفائدة هي التخفيض، فمن الصعب بناء حجة متفائلة للمصارف". وأضاف: "بالنسبة للمستثمرين الذين لديهم خيار الذهاب إلى أماكن أخرى، هذا أمر يصعب تقبله".

الأكثر قراءة