النفط يستهل الأسبوع على تراجع بفعل توقعات انخفاض الطلب وتصاعد النزاعات التجارية
استهلت أسعار النفط تعاملات الأسبوع على تسجيل تراجعات بسبب تصاعد وتيرة النزاعات والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتداعياتها الواسعة على الاقتصاد العالمي، ما أدى إلى تخفيض توقعات نمو الطلب على النفط.
ورغم التراجعات التي بلغت نحو 5 في المائة الأسبوع الماضي، إلا أن الأسعار تتماسك نسبيا تحت تأثير اتفاق خفض الإنتاج بين تحالف "أوبك+" الممتد حتى آذار (مارس) المقبل مع وجود احتمال قوي لتعميق هذه التخفيضات لاستيعاب وفرة المعروض الواسعة من خارج "أوبك" خاصة الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري.
واتفقت "أوبك" وحلفاؤها بقيادة روسيا، وهو تحالف يعرف باسم "أوبك+" في تموز (يوليو) على تمديد تخفيضات إنتاج النفط حتى آذار (مارس) 2020 في مسعى لدعم أسعار الخام.
وأشار المحللون إلى أن السعودية تتمسك بتخفيضات إنتاجية وتصديرية طوعية لقيادة السوق نحو التوازن، رغم تنامي طلب العملاء على الإمدادات النفطية السعودية في شهر أيلول (سبتمبر)، التي سجلت أعلى مستوى لها منذ أواخر 2018.
بحسب المحللين، فإن شبح الركود العالمي يطارد الأسواق بشدة خاصة في ضوء استمرار تبادل فرض قيود التجارة بين الولايات المتحدة والصين الذي وصل إلى مستوى بات يؤثر سلبا في النمو الاقتصادي العالمي، وهو ما يضعف الآمال في انتعاش وشيك للأسواق، لافتين إلى أن التباطؤ الأخير في الإنتاج الأمريكي ساعد بشكل محدود خطة "أوبك" في الحفاظ على توازن الأسواق، لكن الوضع في السوق قد يتبدل إذا تم اتخاذ إجراءات جديدة لدعم الأسعار.
في هذا الإطار، يقول لـ "الاقتصادية"، روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، "إن المنتجين يواجهون تحديات واسعة في ضوء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وما ترتب عليها من حرب العملات"، عادّا الخيارات باتت محدودة أمام تحالف المنتجين في "أوبك+"، الذي على الأرجح سيذهب في اتجاه تعميق تخفيضات الإنتاجية الحالية.
وأضاف شتيهرير أن "السوق بصدد وفرة أوسع في المعروض في العام المقبل التي تجيء بالتزامن مع تباطؤ ملحوظ في نمو الطلب – بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية – وهو ما يفرض على المنتجين استخدام كل الآليات والطاقات الممكنة لمنع اتساع الفجوة بين العرض والطلب وحث السوق نحو استعادة التوازن والاستقرار".
من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، سيفين شيميل مدير شركة "في جي إندستري" الألمانية، أن كيفية إنقاذ السوق من موجة حادة من تهاوي الأسعار جراء الحرب التجارية، ستكون دون شك القضية الأولى التي تفرض نفسها بقوة على اجتماع المنتجين الشهر المقبل في أبوظبي خلال اللقاء الدوري للجنة الوزارية لمراقبة اتفاق خفض الإنتاج.
وأضاف شيميل أن "السعودية وروسيا وهما أكبر مصدري النفط الخام في العالم يبذلان بالفعل جهودا مكثفة منذ بداية العام الجاري لدعم الأسعار من خلال خفض الإنتاج مع تحقيق نسبة مطابقة مرتفعة بين المنتجين المشاركين في الاتفاق"، لافتا إلى أنه مع ذلك هبطت العقود الآجلة لخام برنت إلى أدنى مستوى في سبعة أشهر بسبب وجود عوامل أقوى كابحة لتعافي الأسعار، أبرزها بالتأكيد تداعيات حرب التجارة.
من ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، رينهولد جوتير مدير قطاع النفط والغاز في شركة سيمنس العالمية، "إن الشراكة السعودية الروسية تلعب دورا رئيسا في قيادة سوق النفط بطريقة متوازنة تراعي مصالح المنتجين والمستهلكين والاقتصاد العالمي على قدم المساواة"، مشيرا إلى تمسك روسيا باتفاق خفض الإنتاج على الرغم من ضغوط بعض الشركات من أجل بدء مشاريع نفطية جديدة، لكن الحكومة الروسية راضية عن الأسعار بالقرب من المستويات الحالية.
وعدّ جوتير لجوء المنتجين إلى قيود أعمق خطوة ليست مستبعدة، لكن تبقى المخاوف بشأن نمو الطلب مهيمنة على السوق خاصة إذا أخذنا في الحسبان أن النمو العالمي لاستهلاك النفط خلال الربع الأول يعد الأضعف منذ عام 2011 بسبب تباطؤ النشاط الصناعي في الصين وغيرها، بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية.
بدورها، تشير لـ "الاقتصادية"، إكسوي ساهي المحللة الصينية والمختصة في شؤون الطاقة، إلى أن الأسبوع الماضي شهد انخفاضا بنسبة 12 في المائة تقريبا في عقود برنت الآجلة، وهو ما يمثل ضغطا هائلا على موارد الدول النفطية في "أوبك" وخارجها، ويتطلب تدخلات سريعة لمنع تكرار سيناريو هبوط الأسعار الذي حدث نهاية العام الماضي، وقبله في عامي 2014 و2016.
ولفتت ساهي إلى أنه حسنا فعل المنتجون في "أوبك" وخارجها بتمديد تخفيضات الإنتاج إلى نهاية الربع الأول من العام المقبل، كما أن تأثير العقوبات القوي في كل من إيران وفنزويلا قاد إلى تراجع إنتاج البلدين إلى مستويات قصوى أسهمت كثيرا في تقليل تخمة المعروض وإعطاء بعض التماسك لأسعار النفط في ضوء ضغوط هائلة بسبب مخاوف التباطؤ الاقتصادي وضعف الطلب.
على صعيد تعاملات الأسواق، تراجعت أسعار النفط أمس وسط مخاوف من التباطؤ الاقتصادي، والحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة التي أدت إلى خفض في توقعات نمو الطلب العالمي على الخام.
بحسب "رويترز"، بلغت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت 58.40 دولار للبرميل متراجعة 13 سنتا أو 0.2 في المائة مقارنة بسعر التسوية السابقة.
وسجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 54.33 دولار للبرميل منخفضة 17 سنتا أو 0.3 في المائة مقارنة بسعر الإغلاق السابق.
وانخفضت عقود خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط الأسبوع الماضي مع تراجع برنت بأكثر من 5 في المائة وتراجع غرب تكساس الوسيط بنحو 2 في المائة.
وتسبب النزاع التجاري الأمريكي الصيني في هزة في أسواق الأسهم العالمية الأسبوع الماضي، كما أدت زيادة مفاجئة في مخزونات النفط الخام الأمريكي إلى فرض ضغوط نزولية على أسعار النفط التي خسرت نحو 20 في المائة من ذروة بلغتها في نيسان (أبريل).
وذكر "جولدمان ساكس" في مذكرة أن المخاوف المتعلقة بأن تؤدي الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى حدوث ركود تتزايد، وتوقع ألا يتوصل البلدان إلى اتفاق قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2020.
وأفادت وكالة الطاقة الدولية أن المؤشرات المتزايدة على تباطؤ اقتصادي وتصاعد حدة النزاع التجاري تسببا في تباطؤ نمو الطلب العالمي على النفط لأقل وتيرة منذ الأزمة المالية في 2008.
وخفضت الوكالة، ومقرها باريس، توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في 2019 و2020 إلى 1.1 مليون و1.3 مليون برميل يوميا على الترتيب.
في غضون ذلك، أفاد مصدران مطلعان على بيانات وزارة الطاقة الروسية أن إنتاج النفط الروسي ارتفع إلى 11.32 مليون برميل يوميا في الفترة من الأول حتى الثامن من آب (أغسطس) مقارنة بمتوسط بلغ 11.15 مليون برميل يوميا في تموز (يوليو).
ويفوق هذا المستوى ما تعهدت به موسكو بموجب اتفاق خفض الإنتاج مع "أوبك"، بخفض إنتاجها عند 228 ألف برميل يوميا من 11.41 مليون برميل يوميا ضختها في تشرين الأول (أكتوبر) 2018.
وتوقع ألكسندر نوفاك وزير النفط الروسي الشهر الماضي أن يبلغ إنتاج النفط الروسي في المجمل ما يراوح بين 556 و557 مليون طن هذا العام، أو 11.17-11.19 مليون برميل يوميا، بما يتماشى مع ذلك التعهد.
من جهة أخرى، يواصل إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصعود للأسبوع الثاني على التوالي، متجها بذلك صوب أعلى مستوى في تاريخه.
وكشف تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، أن الإنتاج النفطي للولايات المتحدة ارتفع بمقدار مائة ألف برميل يوميا في الأسبوع المنتهي في 2 آب (أغسطس) الجاري ليصل إلى 12.300 مليون برميل يوميا.
ويتبع بذلك إنتاج النفط الأمريكي اتجاها صعوديا للأسبوع الثاني على التوالي، كما تفصله مائة ألف برميل يوميا فقط عن المستوى القياسي الأعلى المسجل على صعيد التقييمات الأسبوعية.
وشهد إنتاج الولايات المتحدة من الخام قفزة قوية في الأسبوع الأخير من شهر تموز (يوليو) الماضي قدرها 900 ألف برميل يوميا.
وارتفع صافي الواردات الأمريكية من النفط بنحو 1.2 مليون برميل يوميا في الأسبوع الماضي مع هبوط ملحوظ في الصادرات وزيادة في الواردات من الخام.