النفط يتراجع مجددا بفعل ارتفاع المخزونات الأمريكية وضعف الاقتصاد الصيني
مالت أسعار النفط أمس إلى الانخفاض مجددا بتأثير من ارتفاع مستوى المخزونات الأمريكية إلى جانب تأثير بعض البيانات الضعيفة للاقتصاد الصيني، ما جدد حالة المخاوف على مستويات الطلب العالمي على النفط.
ويقاوم انخفاضات الأسعار استمرار جهود "أوبك" وحلفائها في تقييد المعروض العالمي من خلال تحقيق مطابقة جيدة لاتفاق خفض الإنتاج المستمر حتى آذار (مارس) المقبل، وتجرى مراجعته في أبوظبي الشهر المقبل من خلال اجتماعات اللجنة الوزارية لمراقبة الاتفاق.
وتلقت الأسعار بعض الدعم من إعلان الولايات المتحدة إرجاء فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات من الصين التي كان المقرر لها الشهر المقبل وهو ما خفض حدة التوتر في الأسواق وأحدث هدوءا نسبيا بشأن المخاوف المتعلقة بالنمو جراء الحرب التجارية.
ويقول محللون نفطيون "إنه كلما استمرت الحرب التجارية زاد خطر هبوط الأسعار جراء خفض توقعات نمو الطلب"، لافتين إلى توقع بنك جولدمان ساكس عدم توصل الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق تجاري قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، وهو ما يعمق المخاوف بشأن الركود بسبب اتساع وطول أمد الخلافات التجارية.
ويشير المحللون إلى أنه رغم التوقعات السلبية للطلب فإن "أوبك" بقيادة السعودية تسعى إلى دعم استقرار السوق من خلال خفض الإنتاج، كما يساعد على صعود الأسعار استمرار التوتر في الشرق الأوسط بسبب مخاوف محتملة على استقرار وأمن الإمدادات النفطية.
في هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، أندريه جروس مدير قطاع آسيا فى شركة "إم إم إيه سي" الألمانية للطاقة، "إن الطلب العالمي على النفط يواجه تحديات واسعة بسبب حرب التجارة وارتفاع المخزونات الأمريكية وبيانات الصين الاقتصادية الضعيفة، التي تميل إلى تسجيل انكماش ملحوظ، وهو ما دفع إدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة إلى تخفيض توقعاتها لنمو الطلب بمقدار 70 ألف برميل يوميا، فيما خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها بمقدار مائة ألف برميل يوميا.
وأضاف جروس أن "المخاوف من الحرب التجارية هدأت نسبيا بسبب الإعلان الأمريكي عن إرجاء الحزمة الجديدة من الرسوم الجمركية، لكن الصراعات التجارية ما زالت محتدمة وأخذت اتجاهات جديدة ومؤثرة، خاصة حرب العملات التي بدأت مع ترك البنك المركزي الصيني اليوان ينخفض لأدنى مستوى مقابل الدولار في عشرة أعوام". من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، أندرو موريس مدير شركة "بويري" للاستشارات الدولية، أنه من المهم للاقتصاد العالمي أن يتجاوز المرحلة الراهنة بكل صعوباتها وتنبؤاتها السلبية، ولن يتحقق ذلك بدون تطور إيجابي كبير ومؤثر في ملف المفاوضات بين واشنطن وبكين، لافتا إلى أن المؤشرات الحالية تنبئ بنمو أضعف في التجارة العالمية واستهلاك النفط، علاوة على انخفاض نشاط الاستثمار إلى جانب تراجع أسعار الفائدة قصيرة وطويلة الأجل.
وأشار موريس إلى أن هناك حديثا جديدا بقوة عن تعميق تخفيضات المنتجين في "أوبك" وخارجها، وهو آلية مهمة لاستعادة التوازن في السوق، لكنها وحدها غير كافية، علاوة على الانخفاض الاضطراري في إنتاج كل من فنزويلا وإيران جراء العقوبات، مشددا على أهمية اتخاذ الإجراءات التي تخرج بالسوق النفطية من الحالة القاتمة إلى حالة من الثقة والتفاؤل بتعاون كل الأطراف المعنية في الصناعة.
من ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، ديفيد لديسما المحلل في شركة "ساوث كورت" لاستشارات الطاقة، "إن أسعار النفط تتعرض بالفعل لضغوط هائلة من عوامل قوية ومتضادة التأثير وهو ما يؤدي إلى استمرار وتيرة تقلبات الأسعار"، مشيرا إلى أن هذه العوامل تشمل توقعات ضعف نمو الطلب العالمي على النفط فى مقابل الشكوك المتسعة حول استقرار العرض وأمن الإمدادات النفطية.
ويعتقد لديسما أن حالة من الضبابية وعدم اليقين تسيطر على السوق، وهو ما جعل صناديق التحوط تختلف في تقديراتها حول الاتجاه الذي تسير فيه أسعار النفط، حيث تتصدى المخاوف بشأن تراجع الطلب لآمال المضاربين في حصد مزيد من المكاسب، كما أن الخوف من انهيار الأسعار يسيطر على نشاط التجار.
بدورها، توضح لـ"الاقتصادية"، ويني أكيللو المحللة الأمريكية في شركة "أفريكا إنجنيرينج"، أن السعودية تبذل كل ما في وسعها لدعم استقرار وتوازن السوق وتجنب المخاطر الناجمة سواء عن الحرب التجارية أو عن المخاطر الجيوسياسية وبالتحديد فيما يتعلق بالإمدادات النفطية من منطقة الشرق الأوسط.
وذكرت أكيللو أن تعميق خفض الإنتاج من المتوقع أن يتوافق عليه المنتجون في "أوبك" وخارجها خلال الاجتماعات المقبلة بقيادة السعودية وروسيا، بهدف إنهاء تخمة الإمدادات وتحقيق قدر جيد من تماسك الأسعار، التى عانت كثيرا بسبب مخاوف الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي ستؤثر في الاقتصاد العالمي وبالتالي في نمو الطلب العالمي على النفط.
من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار، هبطت أسعار النفط أمس بفعل بيانات اقتصادية ضعيفة من الصين وأوروبا وارتفاع المخزونات الأمريكية، ما محا تقريبا المكاسب القوية التي حققها الخام في الجلسة السابقة، بعد أن ذكرت الولايات المتحدة أنها سترجئ فرض رسوم جمركية على بعض المنتجات الصينية.
بحسب "رويترز"، فقد تراجع خام برنت 2.08 دولار أو 3.4 في المائة إلى 59.22 دولار للبرميل، بعد أن ارتفع 4.7 في المائة أمس الأول مسجلا أكبر مكسب يومي بالنسبة المئوية منذ كانون الأول (ديسمبر).
وهبطت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 2.13 دولار أو 3.7 في المائة إلى 54.97 دولار للبرميل، بعد أن زادت 4 في المائة في الجلسة السابقة، وهو أكبر ارتفاع فيما يزيد على شهر.
وقال محللون "إن عمليات بيع لجني الأرباح بعد المكاسب القوية التي حققها النفط أمس الأول ضغطت أيضا على أسعار الخام أمس.
وارتفعت أسعار النفط الخام القياسية أمس الأول بعد أن تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن موعد نهائي حدده في أول أيلول (سبتمبر) لفرض رسوم جمركية بنسبة 10 في المائة على بعض المنتجات، ما يؤثر في نحو نصف قائمة سلع صينية بقيمة 300 مليار دولار تستهدفها الرسوم.
وأظهرت بيانات من معهد النفط الأمريكي أن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة سجلت زيادة غير متوقعة الأسبوع الماضي، بينما ارتفعت مخزونات البنزين وتراجعت مخزونات نواتج التقطير.
وزادت مخزونات الخام بمقدار 3.7 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في التاسع من آب (أغسطس) لتصل إلى 443 مليون برميل، في حين كانت توقعات المحللين تشير إلى انخفاض قدره 2.8 مليون برميل.