النفط يتراجع دون 58 دولارا بفعل مخاوف الركود وتنامي المخزونات

النفط يتراجع دون 58 دولارا بفعل مخاوف الركود وتنامي المخزونات

انخفضت أسعار النفط 3 في المائة إلى ما يقل عن 58 دولارا للبرميل أمس، لتواصل الهبوط الذي سجلته الجلسة الماضية بنسبة 3 في المائة، إذ تتعرض لضغوط بفعل تنامي مخاوف حدوث ركود وزيادة مفاجئة في المخزونات الأمريكية.
وفي مؤشر على شعور المستثمرين بالقلق من أن الاقتصاد الأمريكي، الأكبر في العالم، ربما يتجه صوب الركود، ما سيؤثر سلبا في طلب النفط، انقلب منحنى عائد سندات الخزانة الأمريكية أمس الأول للمرة الأولى منذ 2007.
بحسب "رويترز"، هبط خام القياس العالمي برنت 1.81 دولار أو 3 في المائة إلى 57.67 دولار للبرميل، بينما نزل الخام الأمريكي 1.03 دولار إلى 54.20 دولار للبرميل.
وما زال سعر برنت مرتفعا 10 في المائة منذ بداية العام الجاري، بفضل تخفيضات الإنتاج التي تقودها منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" وحلفاء مثل روسيا في المجموعة المعروفة باسم "أوبك+".
في تموز (يوليو)، اتفقت "أوبك+" على تمديد تخفيضات إنتاج النفط حتى آذار (مارس) 2020 لدعم الخام، وألمح مسؤول سعودي في الثامن من آب (أغسطس) إلى احتمال اتخاذ خطوات أخرى، قائلا "إن السعودية ملتزمة بفعل كل ما يلزم لإبقاء السوق مستقرة في العام المقبل".
لكن مساعي "أوبك" طغت عليها المخاوف بشأن الاقتصاد العالمي في ظل النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين والضبابية بشأن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى ارتفاع مخزونات الولايات المتحدة من الخام وارتفاع إنتاج النفط الصخري الأمريكي.
يرى تاماس فارجا من "بي.في.إم" للسمسرة في النفط أن "السوق باتت قلقة بشدة بشأن النمو العالمي"، وأعلنت الصين عن بيانات مخيبة للتوقعات لشهر تموز (يوليو)، بما في ذلك تسجيل نمو الإنتاج الصناعي أدنى مستوى في أكثر من 17 عاما.
دفع انخفاض الصادرات اقتصاد ألمانيا صوب الانكماش في الربع الثاني، وتُضاف إلى الضغوط على أسعار النفط زيادة غير متوقعة للمخزونات الأمريكية للأسبوع الثاني.
وأفادت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة ارتفعت على غير المتوقع الأسبوع الماضي مع خفض مصافي التكرير الإنتاج، في حين تراجعت كل من مخزونات البنزين ونواتج التقطير.
وارتفعت مخزونات الخام 1.6 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في التاسع من آب (أغسطس) في حين كانت توقعات المحللين تشير إلى انخفاض قدره 2.8 مليون برميل.
وأظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة أن مخزونات الخام في مركز التسليم في كاشينج في ولاية أوكلاهوما هبطت 2.5 مليون برميل.
وأشارت البيانات إلى أن استهلاك مصافي التكرير للخام انخفض بمقدار 475 ألف برميل يوميا مع تراجع معدلات تشغيل المصافي 1.6 نقطة مئوية.
وهبطت مخزونات البنزين 1.4 مليون برميل بينما كان محللون شملهم استطلاع لـ"رويترز" توقعوا زيادة قدرها 25 ألف برميل.
وأظهرت البيانات أن مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، هبطت 1.9 مليون برميل بينما كان من المتوقع أن ترتفع مليون برميل.
في المقابل، تتلقى الأسعار دعما من خفض الإنتاج الذي ينفذه تحالف المنتجين في "أوبك" وخارجها وسط توقعات بتعميق هذه التخفيضات لاستيعاب الوفرة في المعروض وللتعامل مع احتمالات تباطؤ الطلب، كما تدعم الأسعار توقعات بانكماش وتيرة النمو في الإمدادات الأمريكية خاصة من النفط الصخري جراء تراجع الأسعار وارتفاع تكاليف الإنتاج.
يقول محللون "الحفاظ على سوق النفط متوازنة في الظروف الراهنة أمر ممكن، رغم صعوبة التحديات وقوة المؤثرات التي تقود تفاعلات قوية وسريعة بين العرض والطلب"، لافتين إلى أن تداعيات الحرب التجارية تواجَه بمؤثرات أخرى قوية أيضا، هي توقعات سحب أسرع من فائض المخزونات في الربع الرابع من العام الجاري، إضافة الى التأثير الكبير للتخفيضات التي أجرتها "أوبك" وتهاوي الإنتاج والتصدير بسبب العقوبات في إيران وفنزويلا.
وأشار المحللون إلى أن انزلاق الاقتصاد العالمي في حالة من الركود والتباطؤ - غير المعروف مداه الزمني في ظل تعقد المفاوضات التجارية - قد يفرض - بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية - على تحالف المنتجين في "أوبك+" القيام بخفض الإنتاج بمقدار أكبر قليلا في العام المقبل، من أجل تجنب اتساع وفرة المعروض.
في هذا الإطار، أوضح لـ"الاقتصادية"، مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، أن حدة التوترات التجارية تزداد بشكل كبير على الرغم من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بتأجيل الرسوم الجمركية الجديدة على الواردات الصينية، لافتا إلى أن الاقتصاد العالمي يجتاز تحديات واسعة بالفعل خاصة بالركود وتوقعات تباطؤ النمو.
وأضاف ماندرا "ما يعزز المخاوف صدور بيانات اقتصادية ضعيفة وهشة في عدد من الاقتصاديات الكبرى في العالم خاصة في الصين"، حيث جاءت آخر بيانات الصين الصناعية لشهر تموز (يوليو) الأضعف منذ عام 2002، كما أن اقتصاديات الاتحاد الأوروبي لم تسلم من مخاوف التباطؤ والركود، ومثال على ذلك البيانات الضعيفة في بريطانيا وألمانيا خاصة تراجع الناتج المحلي في البلدين في الربع الثاني.
من جانبه، يقول لـ"الاقتصادية"، بيل فارين برايس مدير شركة "بتروليوم بوليسي إنتلجنس" الدولية، "التعاون بين السعودية وروسيا، وهما من أكبر مصدري النفط في العالم، ناجح بشكل كبير، وقد أثبتت تطورات السوق مدى فاعلية الشراكة بين الجانبين وقيادتهما الناجحة لتحالف المنتجين في "أوبك+".
وأشار برايس إلى أن الشراكة لن تلغي المنافسة الإيجابية والمفيدة في الأسواق العالمية، موضحا أن شركات النفط العملاقة تتنافس أكثر من أي وقت مضى للحصول على حصة سوقية في الأسواق الآسيوية الرئيسة مثل الصين، وهناك حالة قوية من الحفاظ على الحصص السوقية على الرغم من التمسك باتفاق خفض الإنتاج، لافتا إلى اهتمام السعودية وروسيا بتعزيز العمل الجماعي للمنتجين وتأكيد المسؤولية المشتركة عن تحسين أوضاع السوق، خاصة من خلال التوافق على إجراءات خفض الإنتاج لتعزيز الأسعار.
من ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير محللي شركة "إيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، "إن الحرب التجارية لها انعكاسات قوية ومباشرة على استقرار السوق النفطية، لكنها لن تؤدي إلى تدهور الطلب سريعا كما يتصور البعض"، لافتا إلى تأكيد بعض التقارير الدولية مثل تقرير "كومرتس بنك" الألماني أنه من غير المرجح أن يضعف الطلب النفطي في الصين والولايات المتحدة بشكل ملحوظ كنتيجة للنزاع التجاري.
وأشار كروج إلى جهود السعودية في دعم استقرار السوق والتعامل بشكل جيد مع بيانات عن وفرة العرض وتباطؤ الطلب، حيث تركز في هذه المرحلة على خفض إنتاجها بشكل أكبر وتعزيز تأثير تخفيضات الإنتاج لدى تحالف المنتجين في "أوبك+" لانتشال السوق من موجة تراجع الأسعار التي ربما تتفاقم خلال النصف الثاني من العام الجاري.
بدورها، توضح لـ"الاقتصادية"، أرفي ناهار محللة شؤون النفط والغاز في شركة "أفريكان ليدرشيب" الدولية، أن غياب الاستقرار عن السوق النفطية يؤدي إلى تقلبات سعرية متلاحقة، وتسعى "أوبك" إلى تجنب وفرة واسعة في المعروض خلال العام المقبل، من خلال الاستمرار في جهود خفض الإنتاج، حيث وصل إنتاج المنظمة إلى أدنى مستوياته في 15 عاما.
وذكرت ناهار أن تصاعد نذر الحرب التجارية يثير مخاوف واسعة من ركود اقتصادي محتمل بدأ بالفعل يلوح في الأفق، مشيرة إلى أن بعض التقارير تظهر وفرة واسعة في الإمدادات خلال العام المقبل، بسبب توقع نمو العرض وتدهور الطلب، فيما تظهر أحدث بيانات وكالة الطاقة الدولية زيادة المعروض من خارج "أوبك" بمقدار 1.9 مليون برميل يوميا هذا العام، بواقع 2.2 مليون برميل يوميا في عام 2020، مع نمو الطلب بنحو نصف تلك المستويات.

الأكثر قراءة