العالم يضاعف استثماراته في مشاريع النفط البحرية.. 123 مليار دولار في 2019
تتوقع جهات بحثية في قطاع النفط ارتفاع قيمة المشاريع النفطية البحرية الجديدة خلال العام الجاري إلى 123 مليار دولار، وهي ضعف استثمارات العام الماضي، في الوقت الذي تواصل فيه أسعار النفط ارتفاعاتها متغلبة على عوامل مضادة، من بينها تجدد المخاوف المتعلقة بالنمو العالمي جراء تصاعد الحرب التجارية، وزيادة مخزونات الوقود الأمريكية.
ويبقي عدم التوصل إلى اتفاق بشأن نزع فتيل الحرب التجارية بين واشنطن وبكين الأسواق في حالة من التذبذب، فيما تتلقى الأسعار دعما من تخفيضات الإنتاج التي ينفذها تحالف المنتجين في "أوبك+" إلى جانب التخفيضات الطوعية في مستوى الصادرات النفطية السعودية، وتأثير العقوبات في إيران وفنزويلا، الذي هبط على نحو حاد بمستوى الإنتاج والتصدير في البلدين.
ويرى محللون نفطيون أنه على الرغم من الضغوط التي تواجهها السوق، خاصة تراجع الطلب، الذي يحول دون ارتفاعات كبيرة في مستوى الأسعار، إلا أن هناك بعض العوامل التي تدعم صعود الأسعار، في مقدمتها زيادة وتيرة السحب من المخزونات إضافة إلى عوامل أخرى إيجابية مثل التخفيضات القياسية في مستوى الصادرات النفطية السعودية.
وأضاف المحللون "فرص صعود الأسعار قائمة، لكنها محدودة في ضوء عدم توصل الصين والولايات المتحدة إلى اتفاق بشأن الحرب التجارية، وصعوبة التوافق على حل وسط في الأمد القريب، وهو ما جعل تجار النفط في حالة حذر في التعامل مع السوق، خوفا من احتمال هيمنة الاتجاهات الهبوطية للأسعار بشكل واسع على الأسواق".
في هذا الإطار، تقول لـ"الاقتصادية"، إكسوي ساهو المحللة الصينية الباحثة في شؤون الطاقة، "إن بعض الدراسات والتقارير الدولية تؤكد توافر ضمانات استمرار الحفر بوتيرة ثابتة لسنوات مقبلة، مشيرة إلى وجود انتعاشة استثمارية أخرى في صناعة النفط العالمية متمثلة في مشاريع نفطية بحرية جديدة بقيمة 123 مليار دولار هذا العام، أي بنحو ضعف استثمارات العام الماضي، وبيانات لشركة "ريستاد إنرجي" الدولية الاستشارية في مجال الطاقة تؤكد أن تباطؤ عمليات التنقيب عن النفط الصخري الزيتي قليلا خلال العام الماضي قابله بدء مشاريع أخرى في النمو والارتفاع.
وتضيف ساهو، "التقديرات الخاصة بحدوث تباطؤ واسع وشيك في الإمدادات النفطية الأمريكية مبالغ فيها، حيث تشير بيانات لشركة "جلوبال ويتنس" الدولية إلى أن صناعة النفط في الولايات المتحدة لن تتباطأ سريعا، رغم التخفيضات الأخيرة في الإنفاق من قبل شركات النفط والغاز المستقلة والمتعثرة ماليا".
بدوره، يشير لـ"الاقتصادية" سيفين شيميل مدير شركة "في جي إندستري" الألمانية، إلى أن وضع الاقتصاد الدولي مليء بالتحديات والصعوبات التي تخرج عن نطاق سيطرة وعمل وجهود المنتجين، وأن أبرز التحديات يتمثل في بيانات ضعيفة عن الاقتصاد الألماني وتداعيات الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي "بريكست" والحروب التجارية وتباطؤ النشاط الصناعي في الصين، وهو ما يرفع درجة المخاوف من احتمال حدوث ركود اقتصادي واسع.
وأضاف شيميل "فرص تفادي هذا الركود ما زالت قائمة، والصورة ليست قاتمة بالكامل، لكن هناك مشكلة أخرى هي ضعف المعنويات في السوق وسيطرة حالة التشاؤم وعدم اليقين على قطاع كبير من المتعاملين مع السوق، وهو ما يجعل مهمة صعود أسعار النفط ليست سهلة، بل بالغة الصعوبة".
من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، فيتوريو موسازي مدير العلاقات الدولية في شركة "سنام" الإيطالية للطاقة، أن الحرب التجارية الأمريكية الصينية تطورت بشكل مؤسف في وقت كان يتطلع فيه قطاع كبير إلى انفراجة تدعم النمو الاقتصادي العالمي، حيث أثبتت الهدنة التي تم الاتفاق عليها خلال اجتماع مجموعة العشرين الأخير في أوساكا عدم قدرتها على الصمود، فقد انخفضت أسعار النفط بشكل حاد بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن تعريفة بنسبة 10 في المائة على 300 مليار دولار إضافية من البضائع الصينية.
وأشار موسازي إلى أنه في ضوء اشتعال وتيرة الحرب التجارية كان من الطبيعي أن تلجأ مؤسسات دولية موثوقة مثل وكالة الطاقة الدولية إلى خفض تقديرات نمو الطلب هذا العام، لافتا إلى أنه من المحتمل أن تستعد البنوك المركزية الأخرى في جميع أنحاء العالم أيضا لخفض أسعار الفائدة وتعويض أثر انخفاض الدولار، بهدف إبقاء أسعار النفط تحت الضغوط المستمرة.
من ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، بيل فارين برايس مدير شركة "بتروليوم بوليسي إنتلجنس" الدولية، "فرص تحقيق انفراجة في الحرب التجارية باتت محدودة للغاية، لأن حالة الاستعداد والرغبة في التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وبكين غير متوافرة بالشكل الكافي".
ونوه برايس بأنه من المرجح أن تؤدي الاضطرابات الحالية في هونج كونج إلى توتر العلاقات الدولية، وهذا الأمر يضاعف الصعوبات بالنسبة إلى أسواق النفط، موضحا أن الأعباء تزداد في ضوء توقع حرب تجارية أخرى في شرق آسيا بين اليابان وكوريا الجنوبية.
إلى ذلك، ارتفعت أسعار النفط أمس، موسعة المكاسب التي حققتها في وقت سابق، رغم الضغوط السوقية جراء مخاوف تتعلق بالاقتصاد العالمي وزيادة تفوق التوقعات في مخزونات المنتجات النفطية في الولايات المتحدة أكبر مستهلك للخام في العالم.
بحسب "رويترز"، زادت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت 40 سنتا أو 0.61 في المائة إلى 60.67 دولار للبرميل، بينما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 52 سنتا أو 0.93 في المائة إلى 56.20 دولار للبرميل.
وقال ستيفن إينس الشريك الإداري لدى فالور ماركتس "أسواق النفط تواصل التحرك النزولي بعد زيادة مفاجئة في مخزونات الوقود في الولايات المتحدة".
وعرضت وزارة الطاقة الأمريكية عشرة ملايين برميل من النفط العالي الكبريت من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي للتسليم في الفترة بين الأول من تشرين الأول (أكتوبر) والـ30 من تشرين الثاني (نوفمبر).
ويعد هذا العرض جزءا من عملية بيع خولتها قوانين أُقرت في وقت سابق لجمع أموال لتحديث المنشأة، وتلزم قوانين أقرها الكونجرس في سنوات سابقة الوزارة بأن تقوم بعمليات بيع للصرف على تحسينات تُدْخَل على الاحتياطي النفطي الاستراتيجي، الذي يُحتفَظ به في خزانات في باطن الأرض على سواحل تكساس ولويزيانا.
وأفادت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة هبطت بأكثر من المتوقع الأسبوع الماضي مع تعزيز مصافي التكرير الإنتاج، بينما زادت مخزونات البنزين ونواتج التقطير.
وانخفضت مخزونات الخام 2.7 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 16 آب (أغسطس) مقارنة بتوقعات المحللين لانخفاض قدره 1.9 مليون برميل.
وأظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة أن مخزونات الخام في مركز التسليم في كاشينج في ولاية أوكلاهوما هبطت 2.5 مليون برميل.
وأظهرت البيانات أن استهلاك مصافي التكرير للخام ارتفع بمقدار 400 ألف برميل يوميا، وزاد معدل تشغيل المصافي 1.1 نقطة مئوية.
وزادت مخزونات البنزين 321 ألف برميل مقارنة بتوقعات محللين في استطلاع، التي أشارت إلى زيادة قدرها 169 ألف برميل.
وأظهرت البيانات أن مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، ارتفعت 2.6 مليون برميل بينما كان من المتوقع أن تزيد 314 ألف برميل.
وهبط صافي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام الأسبوع الماضي بمقدار 616 ألف برميل يوميا إلى 4.42 مليون برميل يوميا.
وينتاب القلق المستثمرين بشأن آفاق الطلب العالمي على النفط خصوصا في ظل التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين أكبر اقتصادين ومستهلكين للنفط في العالم.
ويترقب المتعاملون في النفط، بجانب سوقي الأسهم والسندات، كلمة يلقيها اليوم جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي "البنك المركزي الأمريكي" أمام مؤتمر اقتصادي في جاكسون هول في ولاية وايومنج الأمريكية، التي قد تشير إلى إذا ما كان "المركزي" سيواصل خفض أسعار الفائدة وتيسير السياسة النقدية.