قصر الشمسية .. شاهد على نخوة «إخوان نورة» وكرم ساكنيه
خطوة نابعة من الاعتزاز بالتاريخ الأصيل، تلك التي خطاها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بعد توجيهه بترميم قصر الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بن فيصل بن تركي، أو ما يسمى بـ"قصر الشمسية"، على نفقته الخاصة، خدمة للموروث الثقافي العريق الذي وصل صيته العالم، وكان محل إعجاب، لما يتميز به من قيم وأخلاق وعراقة.
القصر الذي يقع إلى الشرق من شارع الملك فيصل "الوزير سابقا"، شمال الرياض القديمة، على الضفة الغربية من وادي البطحاء، يحتل جانبا مهما من حياة السعوديين؛ ففي جنباته تولدت القصص والملاحم، وفيه عاشت الأميرة نورة، التي شحذت همة أخيها عبدالعزيز لاستعادة ملك آبائه، وأخذت تقوي من عزيمته وإرادته، لتكون ملهمة له في هذه المعركة التاريخية، التي أسست لتوحيد مملكة آمنة مستقرة، واجهة للعالم الإسلامي، وحاضنة للحرمين الشريفين.
نبع للخير
أمير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، ثمن هذا الدعم اللا محدود من ولي العهد، المتمثل في التوجيه بترميم قصر الأميرة نورة بنت عبدالرحمن على نفقته الخاصة؛ ما يعكس اهتمام بلادنا بالمكتسبات الوطنية والتاريخية التي تحفظ تراث مملكتنا وثقافتها.
فعن هذا القصر الفريد، تروي الحكايات قصصا مختلفة تتفق على أمر واحد، هو أن قصر الشمسية كان نبعا للخير، ومقصدا للمحتاجين والفقراء قبل عشرات الأعوام، يقدم في محيطه الأكل في مواعيد الغداء والعشاء، وقد عُرف أحد أبوابه باسم "باب الضعوف".
كما كان الوافدون من أبناء القبائل من خارج الرياض، الذين يفدون على الملك عبدالعزيز في أوقات معينة من العام، ينصبون خيامهم حول قصر الشمسية، ويكون تواصلهم مع القصر الذي يكرمهم طوال إقامتهم، وبحسب ما ترويه المصادر التاريخية، كان المسافرون أيضا يلقون الترحاب فيه، فيحظون بالعناية، ولهم مواقف كثيرة في جنبات هذا القصر، ولم يحدث أن غادره أحد خاوي اليدين من الهدايا والعطايا، كما يروى.
ولعل شهادة محمد شفيق أفندي مصطفى الكاتب والمؤلف المصري تكشف أيضا جانبا من هذا الخير، ففي كتابه "رحلة في قلب نجد والحجاز سنة 1926"، الذي اطلعت عليه "الاقتصادية"، يروي مصطفى تفاصيل زيارته مناطق المملكة المختلفة، وجالس المؤسس الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، حيث كان الملك يزور كبرى شقيقاته الأميرة نورة، التي يجلها جلالته ويضعها في مكان خاص من نفسه، فقد جرت عادة أهل نجد أنهم يخصون كبرى شقيقاتهم بأجلى مظاهر التوقير والإجلال، مضيفا "ومما أذكره أيضا بالشكر والثناء لهذه الأميرة الجليلة ذلك الكرم العربي ومكارم الخلال، فقد كانت تبعث إليّ يوميا بمختلف ألوان الطعام، ولا تنفك تستفسر عن حالي وتبالغ في إكرام جانبي".
أنا أخو نورة
يعود تاريخ بناء قصر الأميرة نورة إلى عام 1354، حيث أمر الملك عبدالعزيز ببنائه للأمير سعود بن عبدالعزيز بن سعود بن فيصل الكبير، وأخته الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الفيصل.
وتتضمن جدران القصر نقوشا فريدة تعكس الطراز المعماري الفريد في الخمسينيات من القرن الهجري الماضي، تبدو للعيان والمارة حوله حتى اليوم، يتذكر فيها السعوديون مسيرة هذه الأميرة الملهمة، التي أصبح اسمها مصدرا للفخر وملازما لوصف عائلة المؤسس، إذ تقال جملة "إخوان نورة" في دلالة على النخوة والعزوة، وبات اسمها "نورة" من أكثر أسماء المواليد انتشارا في السعودية، بحسب مركز المعلومات الوطني.
"أنا أخو نورة".. جملة كان يرددها دائما شقيقها الملك عبدالعزيز في مواقف بالغة الصعوبة، وتحتاج إلى جسارة وحكمة وسرعة اتخاذ قرار، فالأميرة نورة، المولودة في عام 1292 في مدينة الرياض، كانت مستشارته في شؤون الأسرة، كما جنبت أخاها مشكلات وشؤون القصر الداخلية طوال وجودها، وكانت تشرف على تسيير أمور نساء العائلة، بحسب كتاب "نساء شهيرات من نجد"، لكاتبته الدكتورة دلال الحربي.
الكتاب الذي اعتمد على مصادر متنوعة في جمع معلوماته، مثل الكتب والمحفوظات والوثائق حتى الروايات الشفهية، ذكر في صفحاته أن الملك عبدالعزيز كان يستشيرها في كثير من الأمور وكان يلجأ إليها ليتحدث معها كثيرا ويبحث أمورا كثيرة من شؤونه ويبوح بأسراره لها ويأتمنها على تلك الأسرار، كما استند إليها في بعض الجوانب التي تخص شؤون القبائل، خاصة ما يتعلق بالنساء اللاتي لهن صلات بأفراد من شيوخ القبائل وذوي السلطة في المجتمع.
السيدة الأولى
في نص كتبت تفاصيله فيوليت ديكسون، زوجة الكولونيل هارولد ديكسون المعتمد السياسي البريطاني، ذكرت أنها قابلت الأميرة نورة عام 1937 مع بعض نساء الملك عبدالعزيز، وقالت "إنها كانت تتمتع بروح تنم عن معرفة جيدة بسلوكيات التعامل مع الآخرين"؛ حيث أبدت في حوارها مع فيوليت إعجابها بالحَلَق - القرط - الذي ترتديه وكذلك ثوبها، وهو سلوك ينم عن تواضعها ومحاولتها أن تشعرها بالقرب منها.
كما ذكرت ديكسون أنها خلال زيارتها لها رن جرس الهاتف، فقامت إحدى الخادمات بالرد على المتحدث، وبعد انتهاء المحادثة الهاتفية قالت فيوليت معلقة إنها تنزعج من الهاتف، فردت الأميرة نورة "لا إنها آلة رائعة، لست أدري إذا كنا نستطيع البقاء من دونها".
كما وصفتها بحسب كتاب الدكتورة الحربي بأنها "من أكثر النساء اللاتي قابلتهن جاذبية ومرحا، ومن أهم الشخصيات في الجزيرة العربية"، كما أشارت إلى بساطة معيشتها، وإلى ذلك البيت الطيني الذي يخلو من مظاهر الفخامة والأبهة، أي قصر الشمسية.
أما جون فيلبي فقال عنها "كانت السيدة الأولى في بلدها"، في حين سجل ديفيد هاوارث انطباعه عنها بالقول "أبدى ابن سعود اهتماما ورعاية لأخته نورة طوال حياته".
توفيت الأميرة نورة عن عمر يناهز 77 عاما في عام 1950، ودفنت - رحمها الله - في مقبرة العود في الرياض.