بحلول 2050 .. انقلاب التسوق إلى ترفيه اجتماعي
سينظر مستهلكو 2050 إلى الأعوام السابقة من بداية الألفية، وسيتعجبون من كم الوقت الذي أضاعوه في الحصول على الضروريات اليومية، كي يراكموا الأشياء التي يستخدمونها بنحو غير منتظم.
إن مشقة دفع عربة وطفلين في أرجاء سوبر ماركت مليئة صباح يوم العطلة، وتحميل عشرات الأكياس في السيارة، سيظهر أنه أمر عديم الفعالية بصورة مضحكة، مثل غسل الملابس باليد ثم وضعها في الغسالة.
تقول صوفي هاكفورد، التي تتنبأ بالتطورات في المستقبل والمقيمة في بريطانيا: "ستأتي الأشياء التي نحتاج إليها إلينا دون التفكير فيها كثيرا"، مثل "معرفة" الأجهزة المتصلة بالإنترنت عند طلب عناصر بديلة.
من أجل حدوث هذا الأمر، يجب أن تتطور التكنولوجيا إلى الحد الذي يكون فيه تدخلها بالكاد ملحوظا.
وتضيف هاكفورد: "لا نريد رؤية التكنولوجيا ولا يريد معظم الناس العيش في المصفوفة".
توحي التجربة الحالية المربكة قليلا لـ"أليكسا" المساعد الذي يعمل بالصوت، والثلاجات الذكية بأن هناك بعض الطرق للاستمرار في ذلك.
ستتخلل التكنولوجيا أيضا كيفية اتخاذ القرار بشأن ما يتم شراؤه.
تقع مهمة البحث عن أفضل الصفقات ومقارنة المنتجات على مواقع الدردشة والصور الرمزية، ما يزيد احتمالية تسويق الشركات ليس لشخص ما بل للمساحة الالكترونية لهذا الشخص.
لن يستغل المعلنون نقاط الضعف البشرية أو يتلاعبون بمشاعرنا، بل سيسعون إلى اللعب بخوارزميات صورنا الرمزية، لربط التسويق بالمعلومات وقوة الحوسبة بقدرة الإبداع البشري.
إلى جانب الأساسيات اليومية للحياة، سيصبح التسوق نشاطا اجتماعيا متزايدا، مثل الذهاب إلى حفلة موسيقية أو مطعم.
ستندمج المتاجر رقميا بصورة أكبر لكنها ستظل موجودة، وإن كان ذلك بأعداد أقل وسنزورها شخصيا.
سيجعل هذا الأمر التمييز بين "الشراء والتسوق" حسبما أوضحته كريستينا روجرز، رئيسة قسم الاستهلاك على الصعيد العالمي في "إيرنست آند يونج" أكثر وضوحا مما هو عليه الآن.
بحلول 2050، فإن فكرة أن يدفع الجميع المبلغ نفسه مقابل شيء ما ستظهر غريبة، هذا ما يتوقعه مايكل روس، عالم البيانات في شركة دايناميك أكشن لتحليل تجارة التجزئة.
ويقول: "سيأتي التسعير الديناميكي في وقت قريب جدا"، مشيرا إلى أن ذلك النموذج الذي يتم فيه تحديد الأسعار وفقا للعرض والطلب، سيعد شائعا بالفعل في قطاعات مثل السفر.
وسيظهر أولا في صورة عروض فردية، استنادا إلى مدى أهمية العميل بالنسبة إلى مستوى متاجر التجزئة أو مستوى الأسهم وفقا لروس.
ومع ذلك سينخفض عدد الأشياء التي نشتريها في الواقع، عندما تصبح المشاركة أو التأجير أكثر قبولا وعملية من الناحية الاجتماعية.
لقد نما "اقتصاد المشاركة" في الأغلب، في السلع باهظة الثمن مثل السيارات، لكنه يمتد بالفعل إلى قطاعات مثل الموضة، مع الخدمات القائمة على الاشتراك مثل "رنت ذا ران أواي" التي أصبحت أكثر انتشارا.
ستواجه متاجر التجزئة منافسة متزايدة أيضا: لقد أدى التقدم في التكنولوجيا وتغيير نماذج الأعمال، إلى خفض الحواجز أمام دخول الصناعات الاستهلاكية وتجارة التجزئة. ويعني هذا أن الشركات الجديدة يمكن أن تنطلق بسرعة وتوفر مزيدا من الخيارات للمستهلكين.
يقول رولاند بالمر، مدير "ألي باي" في أوروبا، إن نظام المدفوعات الذي تملكه "آنت فاينانشيال": "يتيح لمنصات للشركات، المشاركة في الاقتصاد الرقمي دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة".
سيفشل كثير من الشركات في النهاية لكن سيحقق بعضها النجاح بصورة واسعة.
هذا هو السبب في أن جيف بيزوس، مؤسس شركة أمازون، أبلغ الموظفين العام الماضي أن الشركة التي تهيمن على التجارة الإلكترونية "ستفلس يوما ما".
يتم إجراء تغييرات أوسع عندما يتعلق الأمر بمحال البقالة. تقول روجرز من "إيرنست آند يونج" إنه في المستقبل الذي ستكون فيه القضايا المناخية ذات أهمية قصوى، فمن غير المحتمل أن نستهلك كثيرا من اللحوم التي تحتوي على معدلات عالية من الكربون.
من شبه المؤكد وجوب تقليل سلاسل الإمداد بالأغذية، التي أمضت عقودا طويلة في النمو مع تعاظم رغبة المستهلكين في استهلاك مزيد من الأطعمة الغريبة.
ستطبق شركات التصنيع وتجار التجزئة اللامركزية بشكل متزايد على الإنتاج "في المصانع المحلية التي يمكن أن تخدم المستهلكين بشكل أكثر تفاعلية وبأثر بيئي أقل"، وفقا لجون فاري، خبير بتطورات المستقبل في متجر جون لويس بارتنرشيب، في بريطانيا.
ستصبح الزراعة الداخلية في ظروف يتم التحكم فيها بعناية أمرا أكثر شيوعا، ما يوفر استخداما بديلا محتملا للمساحات الكبيرة للبيع بالتجزئة، التي ستصبح خالية في العقود المقبلة.
إن سلاسل التوريد الأقصر هذه إلى جانب التكنولوجيا مثل السيارات ذاتية القيادة ستجعل توصيل السلع إلى "آخر محطة"، أكثر قابلية للتطبيق من الناحية الاقتصادية والبيئية مما هو عليه في الوقت الحالي.
سيصبح هذا الأمر مهما بشكل متزايد، إذ من المتوقع أن يعيش نحو ثلثي السكان في مناطق حضرية كثيفة بحلول 2050، حسب توقعات الأمم المتحدة.
قد تبدو سرعة التقدم التكنولوجي غير ممكنة، بالنظر إلى أن عادة التسوق الأساسية لم تتغير جوهريا على مدار الـ30 عاما الماضية في عديد من الاقتصادات المتقدمة.
على أن مثال الصين يوضح أن من الممكن أن تثبت التكنولوجيا نفسها بسرعة. قبل ثلاثة عقود، اشترى معظم الصينيين منتجات البقالة من أسواق السوبر ماركت أو المتاجر المحلية باستخدام النقود.
اليوم، تضم منصات الدفع الرقمية مثل ألي باي ووي تشات على مئات الملايين من المستخدمين.
تقول هاكفورد: "انتقلت الصين مباشرة من الصفر إلى منصة وي تشات، بينما مررنا بجميع المراحل المتوسطة". وتضيف روجرز أن وتيرة التغير في الصين، جعلت مواطنيها أكثر انفتاحا على تجربة الأفكار الجديدة.
بينما يوجد من يخشون بالفعل من مستقبل صعب تعرف فيه أجهزة الكمبيوتر عنا أكثر مما نعرفه، ويستخدم عدد من شركات التكنولوجيا العملاقة "بحيرات البيانات" للسيطرة على حياتنا، إلا أن الخبراء يشيرون إلى أن المنفعة ستتغلب على الخصوصية.
تقول هاكفورد: "سيكون هناك رد فعل وسيغضب الناس من ذلك. لقد رأينا ذلك بالفعل". وأضافت: "ومع ذلك يحب الأشخاص أنفسهم الراحة كذلك".
تعد الصين بالفعل في الصدارة، فيما يخص التقنيات مثل التعرف على الوجه، وبطاريات المركبات والطاقة الشمسية.
بينما شكل الغرب كثيرا من تجارب التسوق في العالم في القرن الـ20 سيلعب الشرق دورا أكبر في القرن الـ21.