الصندوق العقاري عندما يتحول إلى مؤسسة تمويلية
نعلم جميعا أن توافر الأرض والتمويل من العناصر الأساسية في تكوين السياسات الإسكانية لأي بلد، واختلال تلك العناصر سيؤدي إلى زيادة تكلفة السكن على الأسرة، كما أن تنامي شح الأراضي وارتفاع تحوط المصارف بفوائد عالية على القروض العقارية، سيؤديان في الوقت ذاته إلى تأثيرات قد تكون غير مقصودة في الطبقة المتوسطة وقطاعات الاقتصاد الأخرى، كتراجع معدلات النمو والاستثمار معا.
هناك مسببات اقتصادية أدت إلى نشوء بعض الاختلالات في القطاع العقاري، مثل ارتفاع معدلات المضاربة على الأراضي من قبل فوائض مالية للأفراد والشركات على حد سواء، إضافة إلى وجود أسباب غير اقتصادية، كالاحتكار المفرط للأراضي الملائمة لبناء المساكن؛ شكلت مجتمعة محفزات لزيادة سعر السكن النهائي.
إن التدفق المبرمج للوحدات السكنية والأراضي في السوق العقارية عبر برامج وزارة الإسكان التنظيمية والتمويلية، من الأمور التي خففت أزمة التملك إلى حد ما؛ ولا سيما في ظل وجود برامج تمويل تستهلك الكتلة النقدية لصندوق التنمية العقارية للوفاء بفوائد المصارف التجارية التي التزمت بها الحكومة أمام مؤسسات التمويل بهدف تخفيف أثر ارتفاع تكلفة شراء وتمويل المسكن الأول للمواطن؛ لذا من الواقع العملي نحتاج إلى حلول أخرى تضمن الاستدامة، إضافة إلى خفض تكاليف السكن وتحقيق هدف المواطن بامتلاك مساكن في حدود القدرة الشرائية ودون التأثير في مستوى دخل الأسرة العام.
من الملاحظ، أن تجربتنا في حل صعوبة تملك المساكن مرت بعدد من المراحل، وعليه أعتقد أننا حاليا في مرحلة تقليص تكلفة الحلول من خلال زيادة معروض الأراضي السكنية وتحسين سعر تمويل البناء الذاتي أو الشراء وفق أسس تجارية واقتصادية متلائمتين مع العرض والطلب؛ ولا سيما أن سعر الفائدة والظروف الاقتصادية مواتيان لزيادة معدلات التملك بأسعار متوافقة مع القدرة الشرائية العامة دون اللجوء إلى حلول تؤثر في مستوى جودة حياة الأسرة المالية.
إن أنباء تحويل الصندوق العقاري إلى مؤسسة تمويلية بحلول 2020، مشجعة وستعزل مخاطر فقدان الكتلة النقدية للصندوق، إضافة إلى إمكانية أن يؤدي الصندوق دورا حيويا في تقديم تمويل من خلال تطبيق سياسات إقراضية ميسرة، كما أن وجود مؤسسة تمويل حكومية لأغراض إسكانية خاصة، سيسهم في زيادة كفاءة قدرة المصارف التجارية؛ لتقديم عروض تنافسية للعملاء والاستفادة من تنامي كفاءة رأس المال الائتماني على الصعيد الوطني.
ثم إن هيكلة المالية الجديدة للصندوق، وتحول كيانه القانوني إلى مؤسسة مالية، سيمنحانه خيارات أكثر؛ مثل زيادة رأس المال وإصدار صكوك والاستثمار والشراكة مع القطاع الخاص على أسس تجارية؛ كما أنني لا أستبعد أن يسهما في تمويل مشاريع البنية التحتية. وأخيرا، من المرجح أن الشهور التالية بعد قرار التحول، ستشهد انخفاض معدلات التحوط من المصارف عند إقراض المواطن عبر فوائد تنافسية غير مسبوقة في تاريخنا الاقتصادي.