البشري .. تجربة ونموذج مميز في إدارة الجامعات
منذ أيام قلائل ترجل الدكتور إسماعيل بن محمد البشري من منصبه مديرا لجامعة الجوف بعد ثمانية أعوام من النجاح قضاها في إدارة جامعة أصبحت من أهم الجامعات السعودية، وبهذا الترجل خطا الرجل التربوي الناجح خطواته باتجاه شريحة المتقاعدين.
والواقع: إن الرجال -كما يقولون- معادن، ومعدن الدكتور إسماعيل البشري غني بالتجارب الفريدة والمعاناة المريرة، ما يحتم علينا أن نتوقف مليا عنده ونسبر أغواره ونتحدث عن مناقبه وتجاربه الزاخرة والغنية بالمواقف والتجريب.
ولذلك فإن الحديث عن الدكتور البشري ذو شجون، والتجارب التي خاضها في هذه الحياة جعلته محنكا بعديد من التجارب والمعاناة ذات الخصائص التي يندر أن يعانيها شخص واحد.
تجاربه في معترك الحياة بدأت بترأسه جامعة الشارقة في الإمارات، وفي ضوء النجاحات التي حققها في جامعة الشارقة تم تعيينه مديرا لجامعة الجوف، وترعرع هذا الرجل مع هذا الصرح العلمي الذي بدأ متواضعا في كلياته وتخصصاته، ثم أصبح صرحا علميا يخرج الكفاءات السعودية الشابة المختصة في أهم التخصصات التي يحتاج إليها الوطن.
لكن وهو في قمة توهجه في جامعة الجوف شاء القدر أن يبتلى هذا المربي الفاضل بكارثة خطفت منه في لحظة أغلى ما يملك، فقد وقع حادث مروري مروع أودى بحياة خمسة من فلذات كبده،
ونحن في مناسبة ترجل الدكتور إسماعيل البشري سنتوقف أولا عند نموذجه الإداري الجامعي الناجح، ثم نختم مقالنا عن التجربة الإنسانية الصعبة التي عاشها هذا الرجل العظيم الذي حرك مشاعر كل السعوديين حينما فقد في لحظة واحدة خمسة من فلذات كبده في يوم بهيم داهم وصادم. وقصة جامعة الجوف تبدأ حينما كانت مجموعة من الكليات نشأت في سكاكا في منطقة الجوف وكانت تابعة لجامعة الملك سعود، لكن عام 2004 صدر مرسوم ملكي بتسمية الكليات باسم جامعة الجوف، ومنحت استقلالية كاملة مثلها مثل بقية الجامعات في كل أنحاء المملكة، وفي مرحلة لاحقة صدر أمر ملكي بتعيين الدكتور إسماعيل البشري مديرا لجامعة الجوف، ومنذ ذلك الوقت بدأت جامعة الجوف تخطو خطواتها الكبيرة الموفقة نحو بناء مزيد من الكليات المهمة التي تحتاج إليها "رؤية السعودية 2030"، حتى أصبحت الجامعة تتكون من كليات الطب، والهندسة، وعلوم الحاسب والمعلومات، والصيدلة، والعلوم الطبية التطبيقية، والعلوم، والشريعة والقانون، والتربية، والعلوم الصحية، والآداب، والمجتمع، والأعمال، وبرنامج السنة التحضيرية، كما أن جامعة الجوف توسعت خارج الحرم الجامعي وأنشأت كليات العلوم الطبية التطبيقية، والعلوم والآداب، والمجتمع في القريات، وكليتي العلوم والآداب، والمجتمع في طبرجل.
وهكذا فإن جامعة الجوف وفرت على أبناء المنطقة مشقة الخروج من مدنهم والالتحاق بجامعات خارج محيط المدن التي ولدوا وترعرعوا فيها، أي إن جامعة الجوف الوليدة أصبح لها أجنحة وأذرع في مدن وقرى منطقة الجوف بأسرها، وأضحت تتنافس مع الجامعات السعودية الأخرى على إثراء سوق العمل السعودية بالكفاءات السعودية الشابة الواعدة، وبذلك استطاعت جامعة الجوف أن تربط المجتمع في منطقة الجوف مع "رؤية السعودية 2030"، بل أصبح شباب منطقة الجوف جزءا لا يتجزأ من منظومة تنفيذ برامج ومشاريع رؤية السعودية 2030.
أما آخر الإنجازات التي أهداها الدكتور إسماعيل البشري لجامعة الجوف قبل أن يغادرها فدشن الخطة الاستراتيجية لجامعة الجوف من أجل التحول الرقمي والتعاملات الإلكترونية، وهي خطة ستأخذ الجامعة إلى المصاف الأولى للجامعات العصرية الحديثة.
ولقد كان الدكتور البشري دائما يثني على دعم حكومة خادم الحرمين الشريفين لمشاريع الجامعة التطويرية، وكان يقول بفضل دعم الدولة انتقلت الجامعة من التأسيس إلى المنافسة، فاكتملت معظم مبانيها، وأصبحت بلا مبان مستأجرة، وحصلت على الاعتماد الأكاديمي، وطورت خططها الأكاديمية، وطورت بنيتها التحتية في مجال التحول الرقمي والتقني.
وبالنسبة للتجربة الإنسانية المريرة التي مر بها الدكتور إسماعيل البشري وحركت مشاعر كل السعوديين من قمة الهرم حتى آخر مواطن سعودي، فهي أنه وهو في قمة نجاحه في إدارة جامعة الجوف تلقى خبرا مفزعا وصادما في خمسة من أبنائه فلذات كبده فقدوا حياتهم في حادث مروري مروع على طريق الإمارات، لكن الرجل الكبير ذا القلب الكبير سلم أمره لله، وأخذ يردد "لله ما أعطى ولله ما أخذ"، ورغم فظاعة الحادث الجلل إلا أن الدكتور البشري انحنى أمام القدر مستسلما راضيا بقضاء الله سبحانه وتعالى وقدره، وخرج من هذه الكارثة محتسبا ومؤمنا بالله، واثقا أن رب العباد سيعوضه خيرا، ونحن إذ نتوقف عند هذا الحدث الجلل ونواسيه ونشاركه الأحزان، فإننا نستفيد من تجربة الصمود والصبر التي اختصه الله بها، وخرج منها مؤمنا بالله، محتسبا أمره إلى الباري عز وجل لا إله إلا الله.
الخلاصة: إن الدكتور البشري نموذج لرجال المملكة الذين صبروا وصابروا، وسيظفرون بالخير والنجاح في دنيا لا يبقى فيها إلا العمل الصالح والذكرى الطيبة المباركة عن أخيار الناس والرجال.