إثيوبيا تخطف كأس النمو العالمي خلال العقد .. بالنموذج الآسيوي

إثيوبيا تخطف كأس النمو العالمي خلال العقد .. بالنموذج الآسيوي
إثيوبيا تخطف كأس النمو العالمي خلال العقد .. بالنموذج الآسيوي

ربما كان التوقع أن الدولة التي مرت في طور تمزيق نموذجها الاقتصادي، حتى اضطرت إلى مد يدها إلى صندوق النقد الدولي، كانت من المفترض أن تظل غارقة في وحل الركود، الآن.
على أن إثيوبيا التي تشهد انعكاسا حادا في الاستراتيجية، في ظل حكومة رئيس الوزراء الحائز جائزة نوبل للسلام أبي أحمد، كانت أسرع الاقتصادات نموا في العالم على مدار العقد الماضي، سواء بالمعدلات الإجمالية للدولة أو من حيث نصيب الفرد.

قفزة بالمعيارين
منذ عام 2009، قفز إجمالي الناتج المحلي لإثيوبيا بنسبة 146.7 في المائة، وفقا للبيانات التي جمعها صندوق النقد الدولي، في حين ارتفع نصيب الفرد من معادل القوة الشرائية بنسبة 149 في المائة، وهو ما يكفي لوضعه في صدارة القائمتين مع اقتراب العقد من الانتهاء.
هذه الدولة الواقعة في شرقي إفريقيا، التي يبلغ تعداد سكانها 112 مليون نسمة، واحدة من عدد من الدول التي ضاعفت من إنتاجها بكلا المعيارين خلال العقد، بدءا من الصين والهند ذات الثقل الكبير، إلى الدول ذات الوزن الاقتصادي النسبي الصغير، من شاكلة منغوليا وتركمانستان ولاوس.
كما ضاعفت ناورو ورواندا وغانا الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، في حين شهدت ميانمار وبنجلادش وكمبوديا زيادة بنسبة 100 في المائة في نصيب الفرد من الناتج من حيث معادل القوة الشرائية، على الرغم من الكآبة الاقتصادية التي طغت على معظم العقد الماضي.
التقدم لم يكن منتشرا على نطاق واسع، حيث شهدت ليبيا واليمن اللتان مزقتهما النزاعات انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 71 في المائة و36 في المائة على التوالي، في حين سارت الأمور بشكل سيء للغاية في سورية وفنزويلا، بحيث توقف صندوق النقد الدولي عن تجميع البيانات من كلا البلدين.
أصبح الشخص العادي الآن أفقر في غينيا الاستوائية واليونان وإفريقيا الوسطى والسودان وترينيداد وتوباجو، عما كانت عليه الحال في عام 2009.

فتش عن الصين
قال تشارلز روبرتسون، كبير الاقتصاديين في رينيسانس كابيتال، وهو مصرف استثماري يركز على الأسواق الناشئة، في إشارة إلى أمثال منغوليا ولاوس وكمبوديا وإثيوبيا ورواندا، إضافة إلى فيتنام، بلد آخر من دول الأداء القوي، إنه عندما يتعلق الأمر بالفائزين، "يمكنك القول إن كل هؤلاء لديهم روابط قوية للغاية مع الصين، أو اعتمدوا نموذج النمو الصيني".
ضمن بين الدول الإفريقية، يمكن القول إن إثيوبيا كانت أمهر تلميذ لنموذج النمو الصيني، حيث شرعت في دفعة استثمارية سلطوية بقيادة الدولة، ركزت على البنية التحتية والتصنيع.
قال فرانسوا كونرادي، رئيس قسم "أفريكان إكونوميكس" "كانت إثيوبيا تنمو بقوة على أساس نموذج تم تقديمه في البداية بواسطة رئيس الوزراء الأسبق ملس زيناوي".
"كان نموا تقوده الدولة، والاستثمار العام في البنية التحتية - الطرق وكثير من الكهرباء. هم أدركوا الميزة التنافسية التي يتمتعون بها من خلال الطاقة الكهرومائية - عبر النيل الأزرق ونهر أومو وغيرها - ويستخدمون تلك السدود للري لتعزيز الزراعة وبناء الطرق والسماح للمزارعين بنقل منتجاتهم إلى السوق".
وقال روبرتسون إن إثيوبيا لديها معدلات استثمار تتجاوز 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، "وهي مستويات من النوع الصيني".
على عكس الصين، لم يكن لدى إثيوبيا مدخرات محلية كافية لدفع ثمن مثل هذا الهجوم الاستثماري القوي فاضطرت إلى الاقتراض، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، اعتبارا من العام الماضي، من 27 في المائة في بداية العقد، وفقا للبنك المركزي.
وقد جعلها هذا في "خطر كبير" من الوقوع في أزمة الديون، كما قال صندوق النقد الدولي.

التغلب على التحديات
وقال كونرادي، "اصطدم نموذج النمو المذكور ببعض القيود الصعبة من حيث الديون"، علاوة على أن جهات عديدة كانت "متأكدة" من أن هناك ديونا إضافية خارج الموازنة العامة، تكمن في الشركات المملوكة للدولة.
منذ انتخابه في عام 2018، تحدث آبيي رئيس الوزراء الإصلاحي مرارا وتكرارا عن حدود نموذج التنمية الآسيوي الذي تقوده الدولة في إثيوبيا، وفتح قطاعات كبيرة من الاقتصاد أمام الاستثمارات الأجنبية لأول مرة، وسعى إلى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار، إضافة إلى المساعدة الفنية لأجندة تحرير السياسات النقدية، وهو تحول في السياسة وصف بأنه "زلزالي".
وقال كونرادي، "كل هذه الإصلاحات تأتي لجذب الاستثمارات الخاصة والحصول على التدفقات النقدية عبر التخصيص.
هناك رد فعل سياسي ضد هذه الإصلاحات. رئيس الوزراء استعدى كثيرا من الناس الذين هم على مقربة من السلطة، وهناك كثير من أعمال العنف في إثيوبيا، لأول مرة".
على الرغم من الانعكاس التام، يعتقد روبرتسون أن النموذج القائم على الدولة حقق بعض المكاسب الحقيقية، بدءا من سد النهضة الكبير الإثيوبي الذي بلغت تكلفته أربعة مليارات دولار، إلى الارتفاع الحاد في إنتاج الغذاء، ما يعني أن الدولة الآن قادرة على تحمل حالات الجفاف.
قال جابرييل ستيرن، رئيس قسم الأبحاث الكلية العالمية في أكسفورد إيكونومكس إنه في دول أخرى، استفادت عديد من دول جنوب شرقي آسيا من ثلاثي ممتاز يتألف من العولمة، وقربها من الصين سريعة النمو، وفي بعض الدول مثل فيتنام، اتباع النموذج الرأسمالي الذي تقوده الدولة في بكين".
وأضاف، "مع نمو الصين، يتحرك النشاط نحو سلسلة الغذاء"، ما يعود بالفائدة على الدول الآسيوية الأقل تكلفة.
وأفاد روبرتسون إن لاوس وكمبوديا كانتا من بين المستفيدين الرئيسين، حيث توسعت قطاعات التصنيع فيهما، بينما شهد كلاهما "طفرات سياحية مثيرة للإعجاب حقا".

تنافس مع بنجلادش
حققت بنجلادش أيضا نموا سريعا منذ أن بدأ قطاع الغزل والنسيج أعماله منذ عقد من الزمان، على الرغم من أن هذا اتخذ مرة أخرى أسلوب بكين، من خلال "جهود حكومية قوية على أساس نموذج نمو تقوده الاستثمارات، وفي الوقت نفسه لا يثير كثيرا من المعارضة السياسية".
كما هي الحال مع إثيوبيا، "يتمثل الخطر في تراكم كثير من الديون على طول الطريق"، كما قال روبرتسون، على الرغم من أن المستوى الأعلى للمدخرات المحلية في بنجلادش، يعني أن الدين الحكومي قد ظل قيد السيطرة حتى الآن.
قال ستيرن، بدلا من ذلك إن هناك أسئلة حول ثراء بنج، وإن "المنسوجات على ما يرام، لكن ليس لديك قوة السوق. أنت في أسفل سلسلة القيمة، وإذا عملت أسعار السوق ضدك، فستتعرض للضغط على الهوامش. هذا النموذج يفيدك إلى درجة محدودة فقط".

من الهند إلى رواندا
أما بالنسبة إلى الهند، فعلى الرغم من مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي بمنظور المعيارين على مدار العقد، إلا أن ستيرن قال إنه، "كان ينبغي أن يكون أداؤها أفضل. لقد واجهت مشكلات مصرفية ومؤسسية، لكن هناك مستوى لائقا من التعليم في الهند.
حقق قطاعا مراكز الاتصال والخدمات غير المادية أداء جيدا، إلا أن هناك إمكانات هائلة هناك وربما حققوا نصف إمكاناتهم".
من بين الدول الإفريقية ذات الأداء المتميز، استفادت غانا من تشغيل منشآت النفط البحرية، منذ اكتشاف حقل اليوبيلي النفطي في عام 2007.
وحذر كونرادي من أنه في الوقت الذي يدعم فيه إنتاج النفط الناتج المحلي الإجمالي، إلا "أنه لا يجعل الغانيين أكثر ثراء بالضرورة"، في حين أن الإنفاق الحكومي المفرط، قد رفع الدين العام إلى نحو 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
بدلا من ذلك، تبنت رواندا نموذجا سلطويا مؤيدا للنمو، لكنه مؤيد للاستثمار الأجنبي، وهو نموذج قارنه البعض بنموذج سنغافورة.
وقال روبرتسون، "هم استخدموا كل دولار كان لديهم لبناء مركز للمؤتمرات والفنادق، والتأكد من أن المطار والطرق كانت جيدة"، وذلك بفضل المساعدات الإنمائية السخية من المانحين الدوليين.
وقال كونرادي، "لقد فعلوا كثيرا من حيث تحسين بيئة الاستثمار، وخفض أسعار الفائدة، وخفض الروتين"، على الرغم من أنه جادل بأن النمو القوي كان أسهل إلى حد ما بالنسبة إلى أفقر الدول التي سجلت النمو من قاعدة منخفضة للغاية.
وأضاف، "إنها أكثر استدامة من غيرها في دول أخرى، لأنها جعلت عملية إنشاء شركة تجارية في رواندا سهلة حقا. أصبح إنشاء مقرات إقليمية أسهل من كينيا".
على الجانب السلبي يرى أنها، "هي سلطوية للغاية. يختفي الناس بسبب الانخراط في السياسة. لست من المعجبين بها، على الرغم من أن هناك حجة تقول إن الناس لا يحتاجون إلى الديمقراطية، فهم بحاجة إلى مدارس ومستشفيات" فقط.
علاوة على ذلك، هناك ادعاءات بأن رواندا تلاعبت بإحصاءاتها الرسمية لإخفاء ارتفاع الفقر، مما يلقي ظلالا من الشك على بياناتها بشكل عام، حتى لو كانت تحسينات البنية التحتية غير قابلة للجدل.
قال كونرادي، "هم لا يتورعون عن التلاعب بالإحصاءات، لذلك عليك ألا تأخذ الأرقام على محمل الجد تماما. إنهم بالتأكيد يتلاعبون بأرقام التضخم".

إلى آسيا الوسطى
هناك مخاوف مماثلة تلقي بظلالها على أداء آخر قوي على ما يبدو وهو تركمانستان، التي شهدت على الأقل وفقا للبيانات الرسمية، قفزة بنسبة 130 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي على مدار العقد الماضي، حيث لم تتفوق عليها إلا إثيوبيا، وبزيادة بنسبة 128 في المائة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من حيث معادل القوة الشرائية، وراء إثيوبيا والصين فقط.
قال جون باين، الخبير الاقتصادي لدى وكالة أكسفورد إيكونومكس، إن هذه الدولة الواقعة في آسيا الوسطى "استفادت على نطاق واسع" في الجزء الأول من العقد، مع ارتفاع أسعار صادرات الغاز المهمة، مدعومة بزيادة الطلب من الصين المجاورة.
بالنظر إلى انخفاض أسعار الغاز منذ عام 2014، إلى جانب تباطؤ النمو الصيني، قد يكون التوقع أن تعاني تركمانستان.
ومع ذلك، تزعم المصادر الرسمية - المضمنة في أرقام صندوق النقد الدولي - أن النمو لا يزال عند نحو 6 في المائة، حتى مع اختفاء أي بيانات داعمة بشكل غامض.
قال باين، "لقد توقفوا عن نشر الإحصاءات في عام 2017، على الرغم من أنهم ما زالوا يقولون إن هناك نموا بنسبة 6 في المائة.
هناك كثير من التقارير التي تفيد بأن هذا الرقم لا يحظى بالقبول ولا يجب الوثوق به.
عندما تفكر في كيفية عمل سوق الغاز، وكيف تتباطأ الصين، فإن هذه الأرقام لا تتناسب. هناك شائعات عن تضخم بأرقام من خانتين ودعم المواد الغذائية".

وأخيرا عن ذيلية القائمة
في الطرف الآخر من المقياس، كانت غينيا الاستوائية هي الدولة الأسوأ أداء من بين الدول التي لم تمزقها النزاعات، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 28 في المائة في العقد الماضي، وتقلص دخل الفرد من معادل القوة الشرائية بنسبة 43 في المائة: كان 2019 هو العام الخامس على التوالي الذي تقلص فيه الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5 في المائة على الأقل.
مثل كثير من الدول المصدرة للنفط، تضررت غينيا الاستوائية بتراجع الأسعار، لكن مشكلاتها أعمق من ذلك. الحكومة وعدد من أفراد العائلات النافذين، متهمون بالفساد المؤسسي وانتهاكات حقوق الإنسان.
قال كونرادي محذرا، "هم فاسدون بشكل هائل. وهناك خطر هائل على السمعة لمن يريد الاستثمار هناك".

الأكثر قراءة