رحلة مواعيد صحية

شعر أحد المتقاعدين بضبابية في نظره، فذهب إلى مراجعة طبيب عيون في أحد المستوصفات الخاصة للكشف عن العلة. بعد الكشف أخبره الطبيب أن لديه مياها بيضاء في عينيه، وأن عليه إجراء عملية للتخلص من المشكلة خلال شهر أو شهرين. ونظرا إلى ارتفاع تكاليف إجراء تلك العمليات في الكيانات الصحية الخاصة مقارنة بإمكاناته، تحول لمراجعة الكيانات الصحية العامة. حاول -من خلال تطبيق صحتي- حجز موعد في أحد المراكز الصحية القريبة منه، لكنه فوجئ بطول مدة الانتظار التي تصل في بعضها إلى شهر. عندها ذهب بشكل مباشر إلى المركز الصحي الأقرب لسكنه، حوله الاستقبال بعد شرح الحالة مشكورا إلى أحد أطباء الأسرة. أخبره الطبيب أنه لا يستطيع الكشف عليه لأن الحالة خارج اختصاصه، لهذا سيتم تحويله إلى طبيب عيون في مركز صحي آخر. تلقى رسالة بحجز موعد بعد شهرين ونيف في أحد المراكز الصحية البعيدة عنه.
عند الموعد المحدد راجع المركز الصحي الآخر، وكشفت عليه الطبيية المختصة التي يبدو أنها طبيبة "طبيب" العيون الوحيدة في جميع المراكز الصحية في مدينة الرياض "التي تعد بالمئات"، لهذا يتم تحويل مراجعي المراكز الصحية من مرضى العيون إليها، ما يتسبب في طول انتظار المراجعين. بعد الكشف المبدئي عليه أخبرته بنتيجة الفحص الأول نفسه، وأنه سيحول إلى إحدى المدن الطبية للتعامل مع الحالة. انتظر عدة أسابيع ولم يتلق أي رسالة بموعد مما اضطره لرفع شكوى عبر هاتف الوزارة 937. بعد الشكوى بفترة جاءته رسالة من المدينة الصحية بحجز موعد له بعد نحو ثلاثة أشهر.
كشف عليه الطبيب المختص في الموعد المحدد وبعد أسئلة وفحوص مبدئية للنظر، أخبره الطبيب أن عليه الانتظار لكي يتم تحديد تطور الحالة مع الزمن. بعد يوم واحد من الكشف فوجئ برسالة رفض الحالة. بعدها بفترة فوجئ مرة أخرى بتلقيه رسالة تفيد بتحويله إلى مستشفى من المستوى الأقل وحجز موعد له بعد شهرين أو ثلاثة.
ذهب في الموعد المحدد إلى المستشفى وتوجه إلى موظف الاستقبال الذي أخبره أن النظام الآلي متعطل منذ أسبوع، لكن يمكنه الذهاب مباشرة إلى العيادة المختصة. عندما وصل فوجئ بتحويله إلى عيادة البصريات بدلا من عيادة العيون. مع هذا كشفت عليه طبيبة أو مختصة البصريات، وأكدت له أنه يعاني الحالة الموصوفة، وأنها ستحوله إلى عيادة العيون. انتظر كثيرا ولم تصل إليه أي رسالة تخبره عن موعد جديد. بعد ذلك هاتف رقما مختصا وسأل عن أسباب عدم تلقيه رسالة تحديد موعد، ففوجئ من المكالمة بحجز موعد له بعد ستة أشهر، وأن الرسالة ستصل إليه قبل يومين أو ثلاثة من الموعد!
أود أن التأكيد على أن التطرق إلى هذه الحالة ليس الهدف منه الشكوى، لكن لأن هناك حالات كثيرة مشابهة يواجه فيها المرضى المضطرون لمراجعة الكيانات الصحية العامة، تعقيدات المواعيد وطول فترات انتظار. لقد تمت في هذه الحالة مراجعة أربعة أطباء من خلال أنظمة التحويلات، وستتم مراجعة الخامس وربما أكثر للكشف على الحالة بدقة وتحديد العلاج وتقديمه، أو حتى رفضها. لقد أمضى المريض عاما من الزمن في انتظار التحويلات، وعليه الانتظار لعدة أشهر لموعد آخر. إن عملية التصفية للحالات "سكريننج" التي تتبعها المؤسسات الصحية العامة مبالغ فيها وبطيئة ومسيئة للمرضى وفيها إهدار كبير لوقتهم، وقد تقود إلى تطور الحالات المرضية ما قد يعقدها ويرفع تكاليف علاجها. كما يبدو أن عمليات التصفية تعاني عثرات تتسبب في إطالتها وتعدد مراحلها. وهذا يخفض بالتالي كفاءة المؤسسات الصحية لتضييعها أوقات الأطباء، ورفعها عدد المراجعات، وتسببها في مزيد من الإرهاق للمؤسسات الطبية المضغوطة أساسا.
من الغريب أن تحدث أيضا هذه الحالة لشخص متقاعد تجاوز عمره الـ60 عاما بأعوام، ولديه بطاقة أولية تؤهله للإسراع في المواعيد. ولا أدري ما الفائدة من هذه البطاقة، إن لم تساعد في مثل هذه الحالات. وهنا ينبغي التنويه بأن كبار السن هم الأحوج للرعاية الصحية والسرعة والأهلية في تلقيها. وهذا يعود إلى كونهم الأكثر عرضة للأمراض، وحاجتهم الماسة إلى الإسراع في علاجها، ومحدودية إمكانات وقدرات أغلبيتهم العظمى على تحمل تكاليف الرعاية الصحية المتصاعدة مع مرور الوقت والتقدم بالعمر.
يذهب كثير من موارد وزارة الصحة البشرية وربما أكثر من نصفها إلى المراكز الصحية، ومع هذا فإن فاعلية هذه المراكز منخفضة بسبب قلة الاختصاصيين، ونقص الأجهزة الطبية، وفي بعض الأحيان المواد الطبية. ولو تم تطوير هذه المراكز أو تجميعها في مستشفيات صغيرة وإمدادها بالخبرات الفنية والإدارية المحتاجة والأجهزة المناسبة وإعطائها كفايتها من المواد الطبية لتم علاج نسبة كبيرة من المرضى في هذه المراكز، ولتراجعت الضغوط على المستشفيات من المستويين الثاني والثالث.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي