الصين تحرم الغرب من النوم .. سياراتها الكهربائية تغرق الأسواق

الصين تحرم الغرب من النوم .. سياراتها الكهربائية تغرق الأسواق
الصين تحرم الغرب من النوم .. سياراتها الكهربائية تغرق الأسواق

على مدى نحو قرن من الزمان، كانت شركة تويوتا تفتخر بقدرتها دائما على خفض تكاليف تصنيع مركباتها المعقدة ذات التصميم الهندسي العالي.
لكن عندما سافر تاكيرو كاتو، رئيس قسم تويوتا المكلف ببناء المركبات الكهربائية، عبر الصين عام 2018، صدم بما اكتشفه.
أخبر الصحيفة الداخلية للشركة، "تويوتا تايمز"، في نوفمبر: "للمرة الأولى، أواجه القدرة التنافسية للعناصر الصينية".
ويستذكر قائلا: "عندما وضعت عيني على معدات لم أرها من قبل في اليابان وأحدث أساليب تصنيعها، أصابني شعور بالأزمة. إننا في ورطة!".
لقد كان كاتو على حق في قلقه. ففي العام الماضي، تفوقت الصين على اليابان كأكبر بلد مصدر للسيارات في العالم، حيث أظهرت بيانات من شركة أوتوموبيليتي الاستشارية ومقرها شنغهاي أن صادرات السيارات الصينية تضاعفت خمس مرات تقريبا منذ عام 2020 لتقترب من خمسة ملايين سيارة في العام الماضي.
وفي الربع الأخير من 2023، تفوقت شركة بي واي دي، ومقرها شنجن، والمدعومة من مجموعة بيركشاير هاثاواي التابعة لوارن بافيت، على شركة تسلا في المبيعات للمرة الأولى، ما أرسل إشارة تحذير قوية لصناعة السيارات العالمية.
تأتي مبيعات شركة بي واي دي في معظمها من السوق المحلية التي تهيمن عليها. لكن المجموعة واحدة من عدة شركات صينية مصنعة للمركبات الكهربائية التي تحول أنظارها إلى الشواطئ الأجنبية.
يخطط الوافدون الصينيون - من شركة بي واي دي المدرجة في البورصة إلى شركة شيري المملوكة للدولة - لاستخدام عمليات جديدة في دول أخرى في أماكن مثل المجر والمكسيك لدخول الأسواق الغربية بنماذج كهربائية أرخص، ما يضمن هيمنتهم العالمية ويتحدى الشركات الأسطورية القائمة مثل جنرال موتورز، وفورد وفولكس فاجن.
يقول مايكل دون، الرئيس التنفيذي لشركة دون إنسايتس لاستشارات السيارات التي تركز على آسيا: "لا يمكن لأحد أن يضاهي شركة بي واي دي في السعر. نقطة على السطر. إن مجالس الإدارة في أمريكا، وأوروبا، وكوريا واليابان في حالة صدمة".
وبينما استجابت حكومة الولايات المتحدة بتقديم إعانات دعم عديدة لتشجيع التصنيع المحلي، فإن احتمال وصول الملايين من السيارات منخفضة التكلفة وعالية التكنولوجيا التي تصنعها الشركات الصينية إلى الشواطئ الأوروبية يشكل معضلة للمشرعين هناك.
قد يكون سيل واردات السيارات الصينية الرخيصة كارثيا بالنسبة إلى شركات صناعة السيارات الحالية في أوروبا، حيث يدرس الاتحاد الأوروبي بالفعل فرض تعريفات جمركية على الواردات للحد من الضرر.
إن ثلاثة أرباع السيارات الصينية المصدرة اليوم مزودة بمحركات تعمل بالبنزين أو الديزل، كما يشير بيل روسو، الرئيس السابق لشركة كرايسلر في شمال شرق آسيا ومؤسس شركة أوتوموبيليتي. لكن صعود المركبات الكهربائية الصينية ذات الأسعار المعقولة هو ما يجعل شركات صناعة السيارات حول العالم تشعر بالقلق و"تدفع الحكومات الحمائية إلى النظر في فرض قيود تجارية".
في خطابها عن حالة الاتحاد في سبتمبر الماضي، اشتكت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من أن الصين تغرق السوق العالمية بالمركبات الكهربائية الرخيصة، وأن بكين تجعل الأسعار "منخفضة بشكل مصطنع" عبر الدعم الحكومي الضخم. وأطلق الاتحاد الأوروبي تحقيقا في الصناعة الصينية، وهي خطوة قد تؤدي إلى زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية.
وفي الولايات المتحدة، حيث تمثل السيارات الكهربائية نسبة أقل بكثير من مبيعات السيارات مقارنة بأوروبا، حثت جماعات الضغط مثل تحالف التصنيع الأمريكي إدارة بايدن على البقاء يقظة ضد مجموعات السيارات الصينية.
فقد حذر متحدث باسم التحالف العام الماضي من أن "سيل الواردات الصينية دمر كثيرا من الصناعات المحلية الأمريكية في الماضي، ولا سيما تقويض شركات تصنيع الطاقة الشمسية والصلب الأمريكية. إنها صيغة الكارثة نفسها التي نشهدها تتجلى مع بطاريات المركبات الكهربائية".
ومع ذلك، يحذر الخبراء من أنه حتى لو كانت شركات صناعة السيارات في الصين محصورة في أراضيها خلف جدار من الحماية الجمركية، فإنها ستظل قادرة على التنافس مع الشركات المصنعة الأمريكية والأوروبية على السعر.
إحدى المزايا الرئيسة من حيث التكلفة لبي وأي دي، الشركة التي يعترف قادة الصناعة بأنها تشكل التهديد الأكبر، تأتي من خبرتها في إنتاج البطاريات القائمة على الليثيوم، وهي الجزء الأكثر تكلفة في المركبة الكهربائية. وقد أصبحت المجموعة، التي تطورت من شركة لتصنيع بطاريات الهواتف المحمولة في تسعينيات القرن الماضي وفي القرن الـ21، رائدة عالمية في هذا المجال.
ووفقا لأبحاث برنشتاين، تعد بطاريات شركة بي واي دي من بين الأقل تكلفة في العالم بينما تتميز أيضا بأعلى كثافة طاقة تقريبا، ما يؤدي إلى أداء أفضل في السيارات. ويشار هنا إلى أن شركتي تسلا وتويوتا من عملاء قسم البطاريات في شركة بي واي دي.
لقد ساعدها ذلك على تقويض منافسيها الغربيين. حيث يباع طراز أتو 3 من شركة بي واي دي، وهو أرخص طراز للشركة، بمبلغ 38 ألف يورو في أوروبا، بينما يبلغ سعر طراز تسلا موديل 3 نحو 43 ألف يورو في الأسواق الرئيسة مثل ألمانيا وفرنسا. والعلامة التجارية، التي تبيع بالفعل في أكثر من 50 بلد، لديها خمسة نماذج في السوق في الصين تباع بسعر أقل من النماذج المشابهة من مجموعة إيلون ماسك.
تتمتع شركات صناعة السيارات الصينية بقدرة كافية غير مستخدمة في مصانعها المحلية لتحقيق نجاحات كبيرة في الأسواق الخارجية الرئيسة قبل أن تبدأ أعمالها في مركز إقليمي واحد.
صدرت شركة بي واي دي نحو 250 ألف سيارة العام الماضي - حتى دون الأسواق الأمريكية أو الأوروبية - وأخبرت الإدارة المستثمرين أنها تعتقد أن بإمكانها زيادة ذلك بأكثر من عشرة أضعاف خلال الأعوام المقبلة.
يقول دون: "لا تزال الصين تصنع وتشتري مزيدا من المركبات الكهربائية مقارنة ببقية العالم مجتمعا. تمتلك الشركات المصنعة للمركبات الكهربائية الصينية قدرة كافية لتلبية 75 في المائة من الطلب العالمي على المركبات الكهربائية. وهذا من شأنه أن يبقي شركات صناعة السيارات الغربية مستيقظة في الليل".
بينما كانت شركة فورد تستعد لإغلاق مصنعها القديم في سارلويس في ألمانيا العام الماضي، خطرت في بال المديرين التنفيذيين فكرة: لماذا لا يتم العثور على شركة تصنيع سيارات أخرى لتتولى إدارة الموقع؟
وكان على أبوابها كثير من شركات صناعة السيارات الصينية، بما في ذلك شركة بي واي دي، التي كانت تبحث عن موطئ قدم سهل في سوق السيارات التنافسية في أوروبا.
تعثرت المحادثات. وانسحب المشتري المحتمل. وفي الشهر الماضي، أعلنت شركة بي واي دي بدلا من ذلك أنها ستقيم مصنعا جديدا رائعا في المجر، "قلب أوروبا"، لتلبية طموحاتها المتزايدة.
لكن بينما تتعدى شركات صناعة السيارات الصينية بالفعل على الأراضي الأوروبية، فإن اكتساب موطئ قدم في قطاع السيارات الأمريكي الذي تبلغ قيمته 1.5 تريليون دولار هو الجائزة الكبرى، خاصة في ضوء فائض القدرة التصنيعية على الطلب في الصين نفسها.
تقول شركة دون، الاستشارية: "لا يقتصر الأمر على تحقيق الصينيين الأقوياء أرباحا كبيرة في الوطن، والآن بدأوا يدخلون السوق الأمريكية. إنهم يدركون أن البقاء في الصين ليس خيارا. عليهم أن يأتوا إلى أمريكا الشمالية. وعليهم أن يجدوا طريقة للدخول. وإحدى الطرق للدخول هي إنشاء قاعدة على الجانب الجنوبي لأمريكا".
وتقوم شركة بي واي دي وعدة شركات مصنعة للسيارات الصينية الأخرى حاليا بمسح السوق المكسيكية للعثور على مواقع تصنيع جديدة لاستهداف المستهلكين الأمريكيين بشكل أفضل، إضافة إلى دول أخرى في المنطقة.
وتواجه المجموعات الصينية بالفعل وضعا غير موات بشكل واضح في دخول الولايات المتحدة - خاصة في قطاع السيارات الكهربائية الناشئ - مقارنة بـشركات صناعة السيارات المنافسة من كوريا الجنوبية، واليابان وأوروبا.
حيث يهدف قانون خفض التضخم الذي أصدره جو بايدن إلى توزيع المليارات من الإعانات لتطوير السيارات الكهربائية لمجموعات غير صينية في محاولة لتقليل تعرض الولايات المتحدة للتكنولوجيا الصينية في سلاسل التوريد الرئيسة. وهناك أيضا اتجاه، يصعب قياسه كميا لكن من المرجح أن يكون كبيرا، يتمثل في حذر المستهلكين بشأن شراء المنتجات المصنوعة في الصين.
لكن الخبراء يعتقدون أن شركات مثل بي واي دي لا يزال بإمكانها في يوم من الأيام اختراق سوق السيارات الأمريكية، حتى مع الأخذ في الحسبان الحواجز التجارية وتصاعد المشاعر المعادية للصين في الولايات المتحدة.
أما العامل التنافسي، كما هي الحالة في أوروبا، فهو التكلفة. لقد تم التخلي إلى حد كبير عن قطاع السيارات ذات الأسعار المنخفضة من قبل شركات "ديترويت الثلاث" وهي شركات جنرال موتورز، وفورد وستيلانتس المالكة لشركة كرايسلر، التي تركز بدلا من ذلك على سيارات البيك أب والمركبات الرياضية متعددة الاستخدامات.
ويشير دون إلى أن متوسط سعر السيارة الجديدة في الولايات المتحدة هذا العام يبلغ نحو 48 ألف دولار. "تخيل أن شركات صناعة السيارات الصينية تأتي بمنتج بقيمة 20 ألف دولار. الرسوم الجمركية الحالية البالغة 25 في المائة تجعلها تصل إلى 25 أو 26 ألف دولار. ما زالوا في وضع جيد للغاية".
لكن آخرين يشيرون إلى أن ميزة التكلفة ليست ثابتة. فبمجرد أن تبدأ مجموعات مثل بي واي دي التصنيع خارج الصين، فإنها لن تتمتع بمستويات دعم الدولة نفسها التي تتمتع بها داخل البلد، كما يقول خورخي جواجاردو، سفير المكسيك السابق في الصين الذي أصبح الآن شريكا في شركة دينتوس جلوبال أدفايزرز.
ويقول: "لا يمكن تصدير الإعانات بسهولة، إنها ضرائب الطاقة والضرائب الحكومية والمحلية. ليس هناك كثير من الأمثلة على التصنيع الصيني في الخارج. وفي الدول التي تتمتع بقدرة تنافسية في قطاعات السيارات، كما هي الحالة في المكسيك، سيتعين على الصينيين مواجهة نوع من المنافسة سيكون من الصعب عليهم مواجهتها دون الإعانات".
الحكومات الغربية تتوخى الحذر على نحو متزايد ضد التوغل الصيني في أسواقها.
لقد حذرت إدارة بايدن المكسيك بشكل خاص بشأن الموجة الوشيكة من الاستثمارات الصينية. وكتب ممثلو الكونجرس في رسالة حديثة أنهم يشعرون بالقلق من أن الشركات الصينية تستخدم المكسيك "كباب خلفي" للدخول إلى أسواقها.
وفي الوقت نفسه، من المقرر أن ينهي الاتحاد الأوروبي تحقيقاته بشأن مكافحة الإغراق والدعم المالي بحلول نوفمبر من هذا العام.
من ناحية أخرى، يعمل المسؤولون في كل من الولايات المتحدة وأوروبا أيضا على زيادة تركيزهم على المخاطر الأمنية المتصورة الناجمة عن وجود مكونات صينية الصنع في البنية الأساسية الحيوية مثل الطاقة والاتصالات. ويقول الخبراء إن هذه المخاوف ستطبق الآن على المركبات الصينية، وكذلك البطاريات وغيرها من التكنولوجيات النظيفة.
من جانبهم، يعارض المسؤولون التنفيذيون في قطاع صناعة السيارات الصينية ما يعدونه سياسة حمائية غربية. لقد دعوا إلى معاملة عادلة، بحجة أن شركات صناعة السيارات الأجنبية استفادت منذ فترة طويلة من البيع في السوق الاستهلاكية الضخمة في الصين.
كما أنها تحاول وضع نفسها كشركات "عالمية" لمواجهة مخاوف المستهلكين الغربيين بشأن المجموعات الصينية. فقد أخبر ويليام لي، المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة نيو للمركبات الكهربائية، ومقرها شنغهاي، صحيفة "فاينانشال تايمز" في أواخر العام الماضي أن المستثمرين من خارج الصين يمتلكون أكثر من 80 في المائة من أسهم الشركة. كما تمتلك الشركة مكتبا في وادي السيليكون منذ تأسيسها عام 2015.
وقال لي لصحيفة "فاينانشال تايمز" العام الماضي: "كنا نأمل أن نصبح شركة عالمية ناشئة منذ بدايتنا. المشكلة التي نحلها هي أيضا مشكلة يواجهها العالم كله معا".
يقول كوري كومبس، المدير المساعد في شركة تريفيوم تشاينا الاستشارية ومقرها بكين، إن صناع السياسات الغربيين الذين يفكرون في منع الصين من سلاسل توريد التكنولوجيا النظيفة الخاصة بهم سيحتاجون للنظر في تأثير ذلك على طموحاتهم في الوصول إلى الصفر الصافي.
ويضيف أنه بينما لدى الحكومات ما يبرر سعيها إلى تنويع سلاسل التوريد، فإن الدول الغربية تخاطر "بدفع نفسها إلى الزاوية" عبر تثبيط تحولاتها المناخية دون وضع استراتيجيات تخفيف كافية.
"إننا نقترب بسرعة من لحظة النجاح أو الفشل... وأتساءل عما إذا كانت هذه المقايضة يتم أخذها في الحسبان بشكل كامل في كثير من العواصم".

الأكثر قراءة