التضخم .. هل يتحول من مشكلة إلى حل؟

التضخم .. هل يتحول من مشكلة إلى حل؟

معظم المؤتمرات مملة للغاية، لدرجة أن الجزء الخلفي من الغرفة أكثر سطوعا من المسرح بسبب وهج الهواتف المحمولة التي يتصفحها الناس. يتساءل الزملاء الأصغر سنا عن سبب وجود هذه التجمعات، إلى أن ينجبوا الأطفال.
لكنني عدت للتو إلى الوطن من مؤتمر رائع للمستثمرين في النرويج، رغم أن اثنين من المتحدثين أثارا قلقي من أن تكون محفظتي سيئة. لقد أوصى أحدهما بالتخصيصات نفسها تقريبا - كان ذلك تحذير دائما. والآخر تنبأ بوقوع الحرب العالمية الثالثة.
راسل نابير مؤرخ اقتصادي معروف وكان محللا بارعا في السابق عندما كنت أدير صناديق عالمية. يعتقد أن الطريقة الوحيدة التي يمكن للدول بها خفض مستويات ديونها غير المعقولة هي تقليصها.
أتفق معه جزئيا - رغم أن هناك ثلاثة خيارات أخرى بالطبع. التقشف أحدها. لكننا نعلم مدى رغبة الناخبين في المعاناة هذه الأيام، خاصة في مرحلة ما بعد كوفيد، حتى عندما تكون العودة إلى المكاتب أمرا بعيد المنال. وعدم سداد الديون خيار آخر.
أفضل قاتل للديون هو النمو الاقتصادي السريع، الذي يتطلب قفزة في الإنتاجية. وكما كتبت سابقا، ينبغي لنا ألا نستبعد هذا الأمر، خاصة أن ارتفاع الأجور كان مرتبطا بمكاسب الإنتاجية في الماضي.
لكن قد يكون نابير على حق. قلة من الحكومات تتمتع بالشجاعة اللازمة لخفض الإنفاق بشكل جذري، بينما ظل المستثمرون يحلمون بنهضة في الإنتاجية لعقود من الزمن. إضافة إلى ذلك، فإن الديون ببساطة كبيرة جدا. يبلغ إجمالي الدين غير المالي في الاقتصادات المتقدمة مقارنة بالناتج أكثر من 250 في المائة.
لذا فقد يكون التضخم هو الحل، كجزء من سياسة أوسع نطاقا تعرف بالقمع المالي. يتطلب خفض الديون أن يتجاوز التضخم أسعار الفائدة لفترة طويلة، ما يعني بدوره سيطرة الدولة على السياسة النقدية وعلى الميزانيات العمومية للبنوك.
ولكي ينجح القمع، يتعين على الحكومات أيضا أن توجه مؤسسات الادخار في البلد - بما في ذلك أصحاب الأصول وأولئك الذين يديرون معاشات التقاعد - لشراء الأصول المحلية، خاصة سنداتها، للتأكد من أن العوائد تظل أقل من التضخم.
يبدو ذلك هراء، أليس كذلك؟ لكن هذا ما حدث في كثير من الدول بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، أدت هذه السياسة إلى انخفاض ديون القطاع العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 340 إلى 50 في المائة على مدى الأعوام الـ35 التالية.
وذلك عظيم إذا كان لديك رهن عقاري. حيث لا ينمو بينما يرتفع أجرك. ليس سيئا أيضا إذا كنت تمتلك أسهما. ترتفع قيم الأصول الملموسة، وكذلك أرباح الأسهم، مع التضخم. لكن يا رجل، إنك تريد تجنب السندات ذات الفائدة المتغيرة - فالسندات ذات الفائدة الثابتة، ثابتة.
شهد حملة السندات الحكومية البريطانية بين 1945 و1982 هدر 90 في المائة من أموالهم. ولهذا السبب يوصي نابير بعدم الاحتفاظ بأوراق مالية ذات دخل ثابت في محفظتك الاستثمارية على الإطلاق.
لكنه يحب السندات الحكومية قصيرة الأجل هذا العام، حيث من المرجح أن تنخفض أسعار الفائدة - رغم تقرير التضخم الأمريكي الخميس. أوافقه، ولهذا السبب اشتريت سندات خزانة مدتها من عام إلى ثلاثة أعوام العام الماضي.
وبقية محفظتي في وضع جيد من حيث توقعات تقلبات السوق. فاليابان، التي يتجاوز إجمالي ديونها إلى الناتج المحلي الإجمالي 400 في المائة، سترغم مؤسسات الادخار الضخمة لديها على بيع الأسهم والسندات الخارجية وشراء السندات المحلية بدلا منها.
أوقات سعيدة لصندوق الاستثمار المتداول الخاص بي، والذي ارتفع بنسبة 13 في المائة خلال الأشهر الـ12 الماضية. ومن المزايا الإضافية أن الأسهم اليابانية لا تزال رخيصة. بالفعل، مؤشر توبيكس لم يرتفع حتى بمقدار الثلث عما كان عليه عندما انضممت إلى فريق بنك مورجان جرينفيل في اليابان بعد تخرجي من الكلية عام 1995.
عند الحديث عن التقييمات الجذابة، فإن هذا هو السبب أيضا وراء انجذاب نابير إلى أسهم الأسواق الناشئة - باستثناء الصين - وكذلك المملكة المتحدة. والأولى لديها مستويات ديون إجمالية أقل بكثير مقارنة بالدول المتقدمة.
علاوة على ذلك، تتمتع كثير من الدول الآسيوية، ودول أمريكا اللاتينية وأوروبا الوسطى بنسب خدمة ديون أعلى من الأسواق المتقدمة. إننا نصنفها خطأ على أنها دول متشابهة تعاني صعوبات مالية حادة لا يمكنها سداد ديونها.
الأمر بعيد عن ذلك. باستثناء البرازيل والصين (26 و21 في المائة على التوالي، وفقا لبيانات بنك التسويات الدولية)، فإن كثيرا من نسب الديون الخاصة الناشئة إلى الدخل تتراوح بين 15 في المائة وأقل من ذلك- في إندونيسيا والمكسيك من خانة واحدة أي دون 10 في المائة.
قارن ذلك بمتوسط 20 في المائة للدول الغربية. تشمل الاستثناءات الملحوظة المملكة المتحدة واليابان، بنسبة 15 في المائة تقريبا. ولا تزال أسعار ألمانيا وإسبانيا أدنى من ذلك، الأمر الذي يجعلني أفكر في افتقاري إلى الأسهم الأوروبية.
نسبة خدمة الديون في الولايات المتحدة جيدة أيضا. لكن نابير لا يوصي بأي أسهم أو سندات أمريكية لأن قروضها المطلقة تبلغ 250 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي والمؤسسات الأجنبية ستبيع في الأغلب الأصول الأمريكية إذا طلبت منها حكوماتها ذلك.
كما يعد مؤشر إس أند بي 500 مكلفا مقارنة بالأسواق الأخرى والتاريخ - ما دفعني إلى بيع جميع أسهمي قبل ثلاثة أشهر. كان هذا التداول مبكرا، لكنني على الأقل كنت أعلم أنه إذا استمر الارتفاع فإن صناديق الأسهم الأخرى الخاصة بي ستتبعه - وهو ما حدث بالفعل.
المشكلة هي أن العرض التقديمي المذهل الآخر في المؤتمر جعلني احتار بين أسهم أمريكية بنسبة 100 في المائة أو مبادلة جميع صناديق الاستثمار المتداولة الخاصة بي بالأسلحة والذخيرة. كريس ميلر خبير في الجغرافيا السياسية وحائز جائزة أفضل كتاب أعمال لعام 2022 من صحيفة "فاينانشال تايمز" عن كتابه تشيب وورز (حروب الرقائق).
فهو يعتقد أن العالم في سباق تسلح لصنع رقائق المعالجة المتقدمة، ويرجع ذلك في الغالب إلى الذكاء الاصطناعي الذي تزوده بالطاقة اللازمة لكسب الحروب الحديثة. الغرب يتقدم، في الوقت الراهن، والولايات المتحدة في المقدمة بعيدا عن الدول الأخرى.
وتكافح الصين للحاق بالركب، لكنها قريبة من تايوان، حيث تصنع شركة تي إس إم سي حاليا 90 في المائة من الرقائق التي يريدها كل جنرال من فئة أربع نجوم. إذا استمر الوضع الراهن، فإن أسهم التكنولوجيا الأمريكية هي الرابحة، وأنا لا أملك أي شيء منها.
وإذا لم يحدث ذلك، حسنا، فلن تقرأ هذا.

الأكثر قراءة