انتعاش الصفقات يعود .. لكنه متقطع

انتعاش الصفقات يعود .. لكنه متقطع

قد يكون التنبؤ بما إذا كان إبرام الاتفاقيات سيعود هذا العام مهمة حمقاء نظرا لحالة عدم اليقين الجيوسياسي غير المسبوقة التي نعيشها وسنستمر في عيشها في المستقبل القريب.
مع ذلك، بعد عام انخفض فيه نشاط عمليات الاندماج والاستحواذ إلى أقل من ثلاثة تريليونات دولار للمرة الأولى منذ عقد، هناك بعض الدلائل المشجعة على أن 2024 سيشهد انتعاشا في الصفقات. ففي العام الماضي، انخفضت قيمة إجمالي المعاملات المبرمة على مستوى العالم 17 في المائة إلى نحو 2.9 تريليون دولار، وفقا لبيانات مجموعة بورصة لندن.
قال فرانك أكويلا، وهو محامي شركات في شركة سوليفان آند كرومويل، إن الظروف في 2024 من المرجح أن تكون أفضل بعد عام تميز بنزاعين مسلحين كبيرين، حيث يكافح محافظو البنوك المركزية التضخم عبر الارتفاع السريع في أسعار الفائدة وعدم اليقين حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتخلف عن سداد ديونها.
قال: "الآن ونحن نتطلع إلى 2024، هناك تفاؤل مبرر بأن البنوك المركزية ستحقق بالفعل "الهبوط السلس" الذي كانت تعمل عليه مع السيطرة على التضخم واستمرار النمو، وإن كان بمعدل أقل. لذلك يمكننا أن نتوقع انتعاشا في أنشطة الاندماج والاستحواذ في معظم القطاعات والمناطق الجغرافية".
في ظل انخفاض تكاليف الاقتراض، سيكون من الأسهل على الرؤساء التنفيذيين للشركات المدرجة في البورصات تبرير تكلفة الاتفاقيات للمساهمين. كما أن أسعار الفائدة المنخفضة ستسهل على صانعي صفقات الأسهم الخاصة دراسة الاستحواذ بالرافعة المالية.
كما ارتفعت الأسهم العالمية أيضا في الجزء الأخير من العام حيث يتوقع المستثمرون انخفاض أسعار الفائدة. وتميل سوق الأسهم المزدهرة إلى أن تتماشى مع إبرام الاتفاقيات، حيث يرغب المشترون المحتملون في اقتناص الأصول قبل أن تصبح باهظة الثمن، ويريد البائعون الاستفادة من تقييماتها المتضخمة.
بعض القطاعات تظهر علامات انتعاش، في ظل عدد من الاتفاقيات الضخمة في قطاعي الطاقة والرعاية الصحية.
ففي قطاع النفط والغاز، قامت كل من إكسون موبيل وشيفرون بعقد اتفاقيات ضخمة، حيث استحوذتا على المنافستين الأصغر بايونير مقابل 60 مليار دولار وهيس مقابل 53 مليار دولار، على التوالي. وفتحت هذه الاتفاقيات الأبواب لمزيد من المعاملات في هذا القطاع، من ضمنها استحواذ شركة أوكسيدنتال بتروليوم على شركة كراون روك مقابل 12 مليار دولار، وموافقة شركة تشيسابيك إنيرجي على شراء شركة ساوث ويسترن إنرجي في اتفاقية تشمل جميع الأسهم قيمتها 7.4 مليار دولار.
وفي صناعة الأدوية، أعلنت الشركات الكبرى، من بينها أسترازينيكا، وآبفي، وبريستول مايرز سكويب، اتفاقيات ذات صلة بالتكنولوجيا الحيوية تبلغ قيمتها نحو 25 مليار دولار. وفي قطاع آخر، أبرم صندوق بلاك روك اتفاقية لشراء شركة جلوبال إنفراستراكتشر بارتنرز مقابل أكثر من 12.5 مليار دولار نقدا وأسهما.
لكن الأخبار ليست كلها الجيدة بالنسبة إلى صانعي الاتفاقيات. فبيئة مكافحة الاحتكار الصعبة وعدم الاستقرار الجيوسياسي عبر العالم، وهما من المعوقات الرئيسة أمام إبرام الاتفاقيات في 2023، لن تختفي في أي وقت قريب.
عززت هيئات مراقبة المنافسة في الولايات المتحدة وأوروبا، بما في ذلك المملكة المتحدة، مواقفها في الأعوام الأخيرة بشأن معالجة عمليات الاندماج التي ترى أنها ضارة بالمستهلكين والمجتمع ككل. ومن غير المرجح أن يتغير هذا، رغم أن سلسلة الانتكاسات القضائية التي عانتها الهيئات التنظيمية الأمريكية التي حاولت منع عقد الاتفاقيات الكبيرة دفعت عديدا من الرؤساء التنفيذيين إلى المضي قدما فيها رغم خطر التعرض للطعن من قبل وكالات الإنفاذ.
حيث قال توم ماكجراث، أحد كبار محامي مكافحة الاحتكار في لينكلاترز: "من وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن موقف تنفيذ صارم من قبل الوكالات الأمريكية وصعوبة التنبؤ بالنتيجة أو الجداول الزمنية الطويلة لا تزال تعيق صانعي الاتفاقيات".
"وفي الوقت نفسه، يخطط عديد من عملائنا للمضي قدما في المعاملات ذات الأهمية الاستراتيجية التي من المرجح أن تحصل على نظرة فاحصة من الوكالات. والبعض على استعداد للتحضير لمراجعات طويلة إضافة إلى إمكانية التقاضي مع الحكومة من أجل تحقيق أهدافهم الاستراتيجية".
العامل السلبي الآخر المحتمل لإبرام الاتفاقيات هو الديمقراطية في العمل. ففي العقد الماضي، تباطأ نشاط الاتفاقيات قبل الانتخابات، خاصة في الولايات المتحدة، وفقا لبيانات مجموعة بورصة لندن للأوراق المالية. وتميل الانتخابات إلى أن تكون مثبطا لعمليات الاندماج والاستحواذ، حيث يفضل المسؤولون التنفيذيون الحصول على قدر أكبر من الوضوح بشأن من سيكون في الحكومة قبل أن يقرروا عقد اتفاقية.
في هذا العام، سيدلي ما يقرب من نصف سكان العالم بأصواتهم، ما يعني أننا يجب أن نتوقع بعض الاضطرابات، رغم من أنه من المرجح أن ينظر إلى إدارة ترمب الجديدة في الولايات المتحدة على أنها أكثر تأييدا للاتفاقيات، لأنه من المتوقع بشكل رئيس أن تخفف إجراءات إنفاذ مكافحة الاحتكار.
وبينما يبدو أن السيناريو العام لعمليات الاندماج والاستحواذ قد تحسن عما كان عليه قبل عام، خاصة مع عدم حدوث الركود الذي كان كثيرون يخشون منه، إلا أن التوقعات لا تزال مختلطة. ومع ذلك، لا يزال صانعو الاتفاقيات واثقين من أن الأسوأ قد انتهى.
قال ستيفان فيلدجويس، الرئيس المشارك العالمي لعمليات الاندماج والاستحواذ في بنك جولدمان ساكس: "لا يحتاج الرؤساء التنفيذيون ومجالس إدارة الشركات إلى الحصول على صورة واضحة للغاية عما سيبدو عليه المستقبل، لكنهم بحاجة إلى درجة من الاستقرار. إنني متفائل إلى حد معقول بأنه سيعود، لكن من الواضح أنه سيكون متقطعا".

الأكثر قراءة