موضوعية التعاطي مع الكربون

بداية، أود أشير إلى أن العالم لا يستطيع الاستغناء عن الوقود الأحفوري، وعلى رأسه النفط والغاز للتنمية الاقتصادية والصناعية في الدول النامية والمتقدمة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تزدهر المجتمعات نحو حياة أكثر مدنية وتحضرا في منأى عن الطاقة، ولا يمكن كذلك تجاهل الفحم الذي ما زال يحرق بصمت لتلبية حاجة بعض الدول من الطاقة ومنها دول تنادي بالاستغناء عن الوقود الأحفوري! على خلاف الفحم الذي ما زال يحترق بصمت في بعض الدول، يعد النفط والغاز مصدران موثوقان وعمليان للطاقة، رغم أن استخدامهما في هذا المجال، وأعني هنا توليد الطاقة، ينتج عنه انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. قضية الاحتباس الحراري والتغير المناخي هي قضية جوهرية في عصرنا الحالي، بعيدا عن الاتفاق والاختلاف مع بعض معطياتها، أو الاختلاف معها جملة وتفصيلا، إلا أنها تبقى قضية جوهرية وتحديا كبيرا لمنتجي ومستهلكي الوقود الأحفوري على حد سواء، ومنتجي النفط خصوصا.
بحسب "رويترز" في تقرير سابق لها، أن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تتوقع أن تزيد القدرة العالمية لتوليد الطاقة بنسبة تراوح بين 50 % إلى 100 %، وتتوقع أن ترتفع القدرة العالمية لتوليد الكهرباء بين 30 % إلى 76 %.
الجدير بالتنويه أن الفحم والغاز سيشكلان ما بين 27 % ونحو 38 % بحلول 2050. والملفت للنظر، أن الزخم الإعلامي المكثف، والتوجه لبعض الدول وبعض مراكز الأبحاث وبيوت الخبرة، يسلط الضوء على الآثار العالمية للتغير المناخي التي يتبنوها بغض النظر عن صحتها أو موضوعيتها. العجيب أن طرح بعضهم سلك منحى خطيرا نحو المطالبة بتقويض صناعة المنبع، واتهام الوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط! وهذا التوجه غير الموضوعي سيصطدم بالواقع، فالأجدى على العالم أن يبحث كل الخيارات لتخفيف انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في حربه ضد تغير المناخ، لكن التخلص من النفط والغاز سيكون بعيد المنال، وغير واقعي.
كذلك ينبغي أن تكون هناك دراسة لكل الخيارات، لتخفيف الانبعاثات لمكافحة تغير المناخ. السعودية تتعاطى مع هذه القضية بحصافة، واستشرفت مستقبلها ومستقبل هذا القطاع المهم، بل الأهم في اعتقادي بموضوعية وحرفية، فبدلا من توجيه الاتهامات ووضع النفط في قفص الاتهام، وبدلا من التهويل والعويل، وضعت وعملت على الحلول، بل لن تقبل إلا أن تكون رائدة لهذه الحلول. في اعتقادي أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أقتنع بأن هذا التحدي متعلق بقطاع دون الآخر، أو دول دون أخرى، بل هو تحد عالمي يجب أن يتصدى له الجميع دون استثناء، وبلا انتقائية لمسبباته، وبلا تسييس لهذا الملف. أن يشار إلى النفط بإصبع الاتهام، ويغض الطرف عن الفحم، فذلك تناقض، وأن يسلط الضوء على الكربون دون غيره من الغازات المسببة للاحتباس الحراري فذلك تناقض أيضا. في هذه القضية تجد من يعمل بجهد وكفاءة من أجلها، بوضع الحلول العملية للتعايش السلمي مع الكربون، وعلى رأسهم السعودية التي تعمل على وضع إطار تنظيمي يشجع الاقتصاد الدائري للكربون عموما، واحتجاز الكربون خصوصا، وهناك من يعمل لتسييس هذه القضية والاستفادة منها بصورة غير موضوعية ولا منطقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي