الساعات الفاخرة .. تجارة لا تبور رغم الزحف التكنولوجي والأزمات

الساعات الفاخرة .. تجارة لا تبور رغم الزحف التكنولوجي والأزمات
ارتبطت الريادة في صناعة الساعات الفاخرة بدولة سويسرا، فهي ثالث أهم قطاع في البلد. رويترز
يحكى أن اللبناني نيكولاس حايك، استشار مصرفيا يدعى بيتر جروس، عام 1984، عن أي مجالات الأعمال ينصحه باستثمار أمواله فيها؟ فأجابه المصرفي حينها بقوله: "في صناعة الساعات". نصيحة من ذهب، جعلت الرجل يتربع، بعد قرابة عقد من الزمن، على عرش إمبراطورية سواتش السويسرية الشهيرة على الصعيد العالمي في صناعات الساعات. هذا المجال يعد قلعة صامدة أمام الأزمات، فارتفاع تكاليف المعيشة ونسب التضخم، في معظم أنحاء العالم، لم يؤثرا كثيرا في هذه الصناعة، وفق شهادات أصحابها، ممن يتحدثون عن أداء جيد للغاية. كما مثل أيضا صورة للصمود في وجه الزحف التكنولوجي، فرياح الثورة الرقمية، وما رافقها من ابتكار للساعات الذكية، لم يشكل تهديدا كبيرا بالنسبة إلى قطاع صناعة الساعات في العالم. ارتبطت الريادة في هذه الصناعة بدولة سويسرا، فهي ثالث أهم قطاع في البلد، بعد القطاع الصيدلي وقطاع الآليات، فالحرص على التميز والسعي نحو التفرد منحا صناعة الساعات القدرة على مواجهة المنافسة الشرسة من دول أخرى، مثل: الصين واليابان وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا. دفع ذلك المؤرخ بيير إيف دونزيه، أستاذ التاريخ الاقتصادي، إلى عنونة مؤلفه عن شركة رولكس بـ"صناعة التميز"، مؤكدا أن نجاح هذه العلامة التجارية قائم على ركيزتين هما: التسويق الذكي باعتماد شعار "ساعة غير عادية، اخترعها رجل غير عادي، لأشخاص غير عاديين". إضافة إلى سياسة السرية المطلقة، فالشركة توفر لعمالها ظروف عمل ممتازة حتى بلوغ سن التقاعد، فالنزاع بين الطرفين، وقع مرتين فقط (1919 و1930)، طوال حياة الشركة. في كانتون نيوشاتل غرب سويسرا تقع مدينة لاشو دو فون la Chaux de fonds، المشهورة باسم مدينة الوقت، حيث تنتعش فنون هذه الصناعة الدقيقة جدا، فلمسة الساعاتي الماهرة سر تفوق الصناعة السويسرية، لدرجة أن البعض عمد إلى تشبيه الصانع الجيد بالجراح المتميز، "صانعو الساعات الجيدون قد يكونون جراحين متميزين، حين نرى العجلات التي سماكتها لا تزيد على سماكة شعرة أو مثبتا بحجم حبة رمل، فنحن إزاء أشياء متناهية في الصغر". هو ذا سر تفوق صناعة الساعات السويسرية منذ عقود، فأرقام 2016 مثلا تفيد بأن جنيف صدّرت 26 مليون ساعة، مقابل تصدير بكين 652 مليون ساعة، غير أن متوسط سعر هذه الأخيرة لا يتعدى دولارين، في حين يصل متوسط الأولى، أي الساعات السويسرية، إلى 600 دولار. واكتفت سويسرا بإنتاج 4.3 مليون ساعة فاخرة، لكن بسعر تجاوز 1000 دولار للساعة الواحدة، حتى باتت عبارة "مصنوع في سويسرا" المنحوتة على أبرز العلامات التجارية السويسرية مرادفا للجودة الفائقة، فصناعة الساعة الواحدة قد يستغرق عاما كاملا. خلافا لأغلب التوقعات، حافظت هذه الصناعة على ازدهارها، فوفقا لاتحاد صناعة الساعات السويسرية، ارتفعت صادراتها بأكثر من % 11 في 2022، لتصل إلى 27 مليار دولار، بعدما كانت عند حدود 18.5 مليار دولار 2020. وتتحدث الأرقام عن حجم صناعة يقدر بـ75 مليار دولار مع توقعات ببلوغ الصناعة عتبة 100 مليار دولار في غضون ثلاث سنوات فقط. سعت شركة بيرمونت البريطانية بدورها إلى اتباع نفس النهج، لمنافسة الصناعة السويسرية. فقد حرصت، منذ تأسيسها، 2008 وسط لندن، على صناعة ما بين 8 إلى 10 آلاف ساعة يدوية فائقة، بأسعار تراوح ما بين 3000 و30 ألف جنيه استرليني. خطة مكنتها من الحضور في قائمة 60 علامة تجارية فخمة برسم عام 2015، أي بعد سنوات فقط على ظهورها. تعمل الشركة، وفقا لمؤسسها نك إنجلش، على "إنتاج ساعات تبقى معك من 20 إلى 30 عاما، وتحافظ على رونقها دون تغيير. "ونحن أيضا نضيف إلى التاريخ العظيم لصناعة الساعات البريطانية، فالعالم يضبط توقيته على غرينتش، وليس جنيف". ارتباطا بالساعات الراقية، تفجرت مطلع شهر مارس الماضي في اليابان فضيحة سرقة أكثر من 820 ساعة راقية، بقيمة إجمالية تصل إلى 1.85 مليار ين ياباني، كانت مودعة لدى شركة خدمات في مجال مشاركة الساعات. نشاط تجاري ظهر لأول مرة 2021، حيث يقوم الأفراد بتأجير ساعاتهم الفخمة مقابل عوائد مالية نهاية الشهر، قبل أن يكتشف هؤلاء (190 شخصا) أنهم ضحية عملية نصب واحتيال.

الأكثر قراءة