حقائق عن الدولار وهيمنته الهيكلية

 شهدت الأسواق المالية خلال الأيام الماضية اضطرابات على المستويين المحلي والعالمي نتيجة لهبوط الدولار بسبب ضعف الطلب وتراجع أداء الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن قيمة الدولار تعتمد على النشاط الاقتصادي والتوقعات المستقبلية لأمريكا، وهي سمات مشتركة بين جميع العملات العالمية، لكن الدولار لديه عنصر ثالث مختلف قليلا عن العملات الأخرى، يتأثر الدولار بالمعنويات على المستوى العالمي، وهذا بسبب حجم التسويات التي تتم بالدولار في التجارة الدولية وهيمنته على القروض (الائتمان) عبر الحدود، وهذا ما يفسر قيام الدول التي لديها عملات مزدوجة متداولة أي دولار وعملة وطنية في السوق المحلية وغالباً نراها في الاقتصادات غير المستقرة ولديها أزمات اقتصادية، والجدير بالذكر أن الدول التي تعاني تراجع التعاملات بالعملات المحلية مقابل الدولار في السوق الوطنية، تفرض ضرائب على التسويات التي تتم بالدولار في السوق المحلية من أجل إعادة الطلب والثقة بالعملة الوطنية، ويرافق عادة مثل تلك الإجراءات محاربة التضخم، ولهذا تقوم بعض الدول بمتابعة مبيعات التجزئة على الإنترنت من المواقع الأجنبية التي تبيع بالدولار في سوق محلية، وتعد ممارسة غير جيدة من المنظور الاقتصادي على العملة الوطنية. لأنها منهجية تؤدي إلى انخفاض الطلب على العملة الوطنية وتزيد من تسرب النقد في عمليات الصرف، وفي نفس الوقت تؤدي إلى انتقال سعر الصرف إلى أسعار الواردات بشكل لا يمكن تفسيره من خلال البيانات المباشرة، لذا التسويات من هذا النوع ومع تعاظم الاقتصاد الرقمي العابر للحدود تتطلب من البنوك المركزية تصميم سياسات تراقب الآثار في سعر الصرف والنمو الاقتصادي وأعتقد أن توسع الدول والشركات والأفراد في العملات المشفرة مستقبلا سيلزم البنوك بمراقبة حركة النقد بشكل مختلف من خلال الحاجة إلى مزيد من العمل التجريبي من أجل الفهم والكشف عن التأثيرات المراوغة  - إن صح التعبير- وبشكل خاص إن كثيرا من الآثار المستقبلية المتوقعة قد لا توجد لها أدبيات اقتصادية متفق عليها، لذلك تنظيم القطاع المالي ومراقبته وفرض سياسات توجيهية وتصحيحية سريعة ستكون خط الأمان الأساسي، ومن المرجح أن تشهد الدول ذات الأنظمة المالية الأقل تطورا، انخفاضا في الناتج المحلي مع تقدم العالم في الاقتصاد الرقمي والعملات المشفرة العابرة للدول خاصة مع استمرار المعضلات الجيوسياسية وعدم القين بشأن الاقتصاد العالمي.
أخيرا: التسويات بالدولار لا تزال الأكثر بين العملات العالمية، وعلى الرغم من ذلك هناك تراجع في استخدام الدولار مقارنة بالعقود الماضية وفق بيانات صندوق النقد الدولي إلا أن الدولار لا يزال ملاذا آمنا وترتفع قيمته عندما ترتفع المخاطر العالمية، وعلى صناع السياسات الاقتصادية والنقدية والمالية على وجه التحديد، مراقبة عدم التناسق والاتساق في النظام المالي العالمي واتجاهات الأقلمة الاقتصادية والتسويات الثانية بين الدول بالعملات الوطنية، تحسبا لأي مخاطر غير نمطية، ولعلي أختم بهذا السؤال: لماذا تزيد حصة العملات الاحتياطية غير التقليدية مثل الدولار الأسترالي والكندي والرنمبي الصيني والدولار السنغافوري والكورنا السويدية لدى الشركات، وهل يعني ذلك أنه تآكل خفي لهيمنة الدولار؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي