تكلفة برنامج الفيدرالي الأمريكي للتيسير الكمي أعلى مما يجب

التكاليف النهائية قد تتجاوز 500 مليار دولار وتقييم البرنامج يجب ألا يقتصر على المنافع فقط

تقترب تجربة الولايات المتحدة مع التيسير الكمي من نهايتها، فمن المتوقع أن يعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الجاري عن خططه لإبطاء وتيرة تقليص ميزانيته، ما ينذر بنهاية فترة طويلة سعى فيها البنك المركزي إلى تحفيز الاقتصاد عبر الاحتفاظ بكميات كبيرة من سندات الخزانة والأوراق المالية المضمونة بالقروض العقارية.
فهل نجح الاحتياطي الفيدرالي في مسعاه؟ نعم، إلا أن التكلفة كانت فادحة.
بالتأكيد كان للتيسير الكمي منافعه، فعندما اهتزت الأسواق المالية في مارس 2020 بضغط من بدء تفشي جائحة كورونا، أدت عمليات شراء الاحتياطي الفيدرالي للأصول إلى استمرار تدفق السيولة واستقرار الأسعار. وعلى مدى العامين التاليين، دفعت تلك العمليات أسعار الفائدة طويلة الأجل إلى الانخفاض، لتقدم تحفيزاً اقتصادياً، في الوقت الذي قرر فيه البنك عدم تمكنه من إجراء أي خفض آخر في أسعار الفائدة قصيرة الأجل.

تكلفة فادحة لبرنامج شراء الأصول
مع ذلك، لا بد من أخذ تكاليف برنامج شراء الاحتياطي الفيدرالي للأصول في الاعتبار أيضاً، فأولاً، أفرط البرنامج في تحفيز سوق الإسكان من خلال خفض أسعار الفائدة على القروض العقارية، فزاد الطلب بشكل كبير، لترتفع أسعار المنازل ومعدل التضخم الكلي.
ثانياً، أسهم ذلك في أزمة البنوك الإقليمية التي وقعت العام الماضي، فالمال الذي سدده الاحتياطي الفيدرالي مقابل السندات أصبح بمنزلة ودائع، ومثّل طوفان من السيولة توجب على البنوك إدارته. يجدر بالمؤسسات المالية، مثل مصرف "سيليكون فالي بنك"، التي تصرفت بحماقة واستثمرت الودائع تحت الطلب في الأوراق المالية طويلة الأجل، وذات العائد الثابت، أن تلوم نفسها.
مع ذلك، يتحمل الاحتياطي الفيدرالي المسؤولية عن التسبب في هذا الطوفان في المقام الأول، وهو أمر لم يعترف به البنك في التحليل الذي أصدره بعد الحدث في مايو من العام الماضي، والذي يمكن وصفه بالصريح، فيما عدا تلك النقطة.
ثالثاً، كانت التكلفة النقدية لذلك فادحة، فمنذ رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة قصيرة الأجل لأعلى من 5 %، تجاوزت مصروفات الفائدة على الالتزامات، بما يشمل احتياطيات البنوك، إيراداته من حيازة الأوراق المالية بقدر كبير. حيث خسر الاحتياطي الفيدرالي أكثر من 100 مليار دولار في العام الماضي، وقد تصل الخسائر المتراكمة إلى 250 مليار دولار.

3 عوامل أفضت إلى ارتفاع تكاليف البرنامج
غير أن التكلفة الفعلية أعلى بكثير، ففي حالة عدم وجود التيسير الكمي، كان الاحتياطي الفيدرالي سيحقق أرباحاً كبيرة، حيث ستمثل الاحتياطيات التي لا تحتاج لدفع فوائد عليها معظم التزاماته. والمحصلة النهائية أن الفرق بين الأرباح الفعلية التي حققها البنك والتي كان يمكنه تحقيقها قد يتجاوز 500 مليار دولار.
بالنظر إلى الوراء، يمكنني تحديد 3 أخطاء أفضت إلى ارتفاع التكاليف، أولاً، واصل الاحتياطي الفيدرالي شراء الأصول لمدة أطول مما يلزم. فبعد طرح لقاحات ناجعة لفيروس كورونا في أواخر 2020، كان يجب على المسؤولين أن يدركوا أن النمو سيعود للارتفاع مع إعادة فتح الاقتصاد، وأن الإعانات الحكومية الضخمة المرتبطة بالجائحة التي قدمتها الحكومة الفيدرالية، والتي تجاوزت قيمتها 5 تريليونات دولار، ستُغني عن الحاجة إلى تحفيز مالي استثنائي آخر.
ثانياً، قرر الاحتياطي الفيدرالي مواصلة شراء الأصول لحين إحراز تقدم ملموس نحو تحقيق هدفيه المعلنين في معدلي التوظيف والتضخم، وكذلك قرر التخلي تدريجياً عن عمليات الشراء بوتيرة بطيئة، بدلاً من القيام بذلك بشكل سريع ومفاجئ. لذلك استمر في الشراء خلال الربع الأول من 2022، رغم قوة النمو وارتفاع معدل التضخم.
ثالثاً، تعهد الاحتياطي الفيدرالي بعدم رفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل حتى وصول الاقتصاد إلى أقصى مستوى للتوظيف، وبلوغ التضخم والبطالة المعدل المستهدف عند 2 %، وكان المتوقع أن يبقيا عند هذا المعدل لمدة تكفي لتعويض أثر الإخفاقات السابقة.

حاجة لتقييم التكلفة لا المنافع فقط
ضمن ذلك أن الاحتياطي الفيدرالي سيتجاوب مع قوة النمو الاقتصادي وارتفاع معدل التضخم بعد فوات الأوان، ما يستوجب رد فعل أكثر تطرفاً. فلو بدأ البنك المركزي تشديد السياسة النقدية في موعد أبكر، لكانت ذروة أسعار الفائدة قصيرة الأجل أقل بكثير، ما سيسبب خسائر أقل.
أدى إفراط الاحتياطي الفيدرالي في توسيع ميزانيته إلى ارتفاع تكاليف التيسير الكمي بشكل مباشر. وآخر تريليون دولار أنفقها البنك على عمليات شراء الأصول، التي تمت خلال الفترة ما بين يونيو 2021 ومارس 2022، قد تكلفه - ودافعي الضرائب الأميركيين - 100 مليار دولار في نهاية المطاف، مقابل منفعة ضئيلة جداً.
يجب على مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي تقييم برنامج التيسير الكمي ضمن تقييم إطار السياسة النقدية للعام المقبل. ويجب أن يكون الهدف هو التعلم من الأخطاء السابقة، ووضع دليل إرشادي للمستقبل، لا يركّز على المنافع فقط، بل والتكاليف أيضاً.
خاص بـ "بلومبرغ "

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي