التحول الرقمي في صناعة الطاقة النووية

تُـعَدُّ الرقمنة أمرا أساسيا لدمج مصادر الطاقة في أنظمة الكهرباء وتحسين موثوقية شبكات الكهرباء وتقليل تكلفة إيصال الخدمات الكهربائية إلى المشتركين، وبالتالي المساهمة في تحوُّلٍ أكثر عدلا للطاقة وإنصافا للمستهلكين. ولقد أدى استخدام التقنيات الرقمية إلى سهولة جمع وتنسيق المعلومات، ما ساعد في تحسين العمليات وزيادة الكفاءة وتقليل الأخطاء، وهذا ما أفرزه وتمخض عنه التحول الرقمي نحو تعزيز القيمة الصناعية من خلال الرؤى المشتركة مع عموم الصناعات. إن التحول الرقمي للطاقة لهو عبارة عن مجموعة من الأدوات والممارسات التي تساعد المنظمات في قطاع الطاقة على تعزيز كفاءتها وتوسيع نطاقها وتحسين عملياتها وإدارة المخاطر والاستجابة لمتطلبات العملاء مع تطور الاحتياجات بشكل مناسب.

ولذلك فإن التحول الرقمي يمهد الطريق لإجراء تحسينات مستدامة في استخدام الطاقة، بل يعيد تشكيل قطاع الطاقة بأكمله. وقد يتساءل البعض عن دور التحول الرقمي في صناعة الطاقة النووية، لأن أغلب صناعات الطاقة مثل البترول والغاز الطبيعي والطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة قد يجد القارئ فيها أمثلة واقعية للتحول الرقمي.

إن من الضرورة بمكان اعتماد التقنيات الرقمية، بما في ذلك تفعيل تقنية الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، طوال دورة حياة المحطة النووية بأكملها، بما في ذلك التصميم والبناء والتشغيل ونهاية الخدمة، ولكن ذلك يتطلب مستوى عالٍ من البراعة الهندسية وفهما جديدا لقيم البيانات وتخطيطا للعمليات التي يتم التحكم فيها رقميا في مرحلة إيقاف التشغيل أو ترقية الوحدات الحالية. ولا يجب أن نغفل عن تطبيقات الطاقة النووية في مجال الإشعاعات الصناعية والطبية والزراعية التي ستُمكّن التقنيات الرقمية من أداء عملها على أكمل وجه. لقد أغلقت ألمانيا ثمانية مفاعلات بين 2011 و2021، ثم أُعلن لاحقا عن إغلاق محطات الطاقة النووية كافة، وتمثل عمليات الإغلاق تحديا كبيرا، لأنها تتم في الوقت ذاته. يقول الدكتور توماس هاسل، رئيس مركز التقنية في معهد علوم المواد بجامعة لايبنتس في هانوفر: "نحتاج إلى تقسيم التقنيات في ألمانيا، حيث إن جميع مصانعنا تُـعَـدُّ فريدة من نوعها، لذا فإن تفكيك جميع المواقع بأمان يمثل تحديا كبيرا". ولذلك تمثل الرقمنة مفتاحا سحريا لمعالجة هذه التحديات. ويستخدم مشغلو الطاقة النووية كثيرا من البيانات لاتخاذ قرارات أفضل، حيث تعد البيانات أمرا بالغ الأهمية للتوأمة الرقمية.

ولا يجب النظر إلى رقمنة محطات الطاقة النووية بوصفها مشكلة تتعلق بتقنية المعلومات أو حلول أعمال فقط، فالاستثمار الأكبر سيكون في إنشاء حوكمة للإدارة الرقمية.

وتتضمن عملية الرقمنة إصدارات افتراضية ثلاثية الأبعاد عن المحطات النووية، ما يسمح بالوصول إلى البيانات عن بعد وتمكين العاملين من قراءة عمل المحطة رقميا، رغم أن فتح الوصول إلى هذه البيانات يفرض تحديات أمنية وتنظيمية. وقد يكون اعتماد التقنيات الرقمية في المجال النووي أمرا ليس سهلا، ويرجع ذلك إلى عديد من القيود التقنية والسلامة والتنظيمية والتجارية والبيئية التي تميز هذه الصناعة، ومما يزيد الأمر تعقيدا عدم وجود معايير على مستوى الصناعة فيما يتعلق بالاعتماد الرقمي. ويكمن الفرق بين الرقمنة في الطاقة النووية والصناعات الأخرى هو أن هناك حدودا للاستفادة من التقنية والنماذج الرقمية، خصوصا في مخاطر الأمن والامتثال.

ختاما، إن التحول الرقمي يمثل دورا مهما في جعل الطاقة النووية أقل تكلفة وأكثر أمانا ولكن يتطلب الأمر تغييرا ثقافيا يجب أن يمر عبر المنظمة بأكملها. وستتيح الرقمنة فرصا متعددة في صناعة الطاقة النووية، بما في ذلك تعزيز تشغيل النظام باستخدام أنظمة القياس والمراقبة المتقدمة والتنبؤات لإنتاج المحطة والصيانة التنبؤية وتأكيد السلامة للعاملين والحد من المخاوف المتعلقة بالأمن السيبراني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي