نعم .. لا للاستدامة

نعم، لا للاستدامة! لكن مهلا أيها "المستداميون" فقد يثيرعنوان المقال ضجة في دواخلكم أويستفز طموحاتكم الخضراء أو اهتماماتكم العميقة حول الاستدامة وتطبيقاتها المتنوعة في حياتنا اليومية والعملية، لكن عليكم التحلي بالصبر، فهدفنا ليس التخلي عن مبادئ الاستدامة، بل بالأحرى تحفيز تفكير أعمق وأكثر جدية حول ممارسات الاستدامة الحقيقية ومحاربة اللامبالاة والتشكيك من قبل البعض حول الاستدامة من قبل أولئك الذين يبيعون الوهم في دعمهم، حتى إذا ما جاءت ساعة الصفر إذا بهم يفرون في كل حدب وصوب ويغرقونكم بوافر الأعذار عند أول اختبار لتحديد المسار لأي منظومة خصوصاً في القطاع الخاص، حيث الهدف الاقتصادي البحت هو المحرك الأساسي لاتخاذ القرار، ولا ضير في ذلك ما دام التوجه الأساسي للشركة لم يتبنَ منهجيات الاستدامة من الأساس ولم يعلن الدعم لها.

الحقيقة المرّة هي أن إظهار الدعم للمشاريع المتعلقة بالاستدامة ليس مطلبا ولا غاية بل رحلة ومسيرة مستمرة، ممكن للقطاع الخاص الاستفادة منها، لكن إذا لم تكن مصحوبة بوسائل الدعم المالية والمعنوية فإنها لن تتعدى الحناجر ولن تصل إلا إلى أطراف المسامع، لأن غياب الدعم الحقيقي بعد الالتزام يعني تجاهل الاستدامة والممارسات المتعلقة بها، وتلك الممارسات بمنزلة قول "لا للاستدامة" تطبيقيا، وهو المفصل بين الحقيقة والزيف. وحيث تعد الاستدامة في بعض الأحيان خيارًا غير مطروح على الإطلاق في كثير من القرارات التنفيذية وخصوصاً تلك المتعلقة بالميزانيات والأولويات، فإن مثل هذه القرارات قد تكون لها تبعات متواصلة ومتوسطة أو بعيدة المدى على سمعة الكيانات، ولا سيما في جدية التحول الأخضر المشهود في السعودية والعالم، وأبسط مثال هو عمليات الإفصاح المتعلقة بتقارير واستراتيجيات البيئة والمجتمع والحوكمة ESG التي تساعد الكيانات المتنوعة في الحصول على التمويل المالي اللازم مثل التمويل الأخضر لضمان استمرارية الأعمال، أي استدامتها.

ولأولئك الذين لا يُعيرون مفهوم "التحول الأخضر" الاهتمام المطلوب، نقول لهم إن الاستدامة هي توجه قائم لدى الحكومة السعودية ومعظم دول العالم التي التزمت بأهداف تنموية مستدامة يكون للقطاع الخاص فيها دور فاعل لتحقيق تلك الرؤى والطموحات الخضراء. وأيضاً نقول لأولئك إن الاستدامة ليست تضحية بالموارد خصوصا المالية منها، بل استثمار متعدد المنافع وداعم أساسي للابتكار، وإنها ليست وجهة بل رحلة أبدية إلى وروث الأرض ومن عليها وصولا إلى استدامة الحياة الحقيقية في سرمدية الحياة الآخرة.

ولذلك فإن التحدي يكمن في أن بعض جهود الاستدامة تبدو شكلية أو بعيدة الصلة بالحلول الحقيقية ولا سيما ما يؤثر منها في الاقتصاد أو البيئة أو المجتمع، فقد نرى شركات محلية وعالمية تتبنى حملات تسويقية "صديقة للبيئة" لأغراض الدعاية فقط، بينما تظل ممارساتها الفعلية غير مستدامة أو ذات محدودية في الأثر عما هو معلن عنه، وهذا ما نسميه بـ"الخداع الأخضر"، وهو ما يقوض الثقة ويشعل فتيل السخرية من مبادئ الاستدامة عند من لايفقهها. لذا، فإن الرسالة الحقيقية هي أن دعوانا تتجاوز الشعارات الفارغة وننتقل إلى اتخاذ إجراءات مجدية من قبل القطاع الخاص، وتبدأ من أعلى الهرم من مسؤولي هذه المنظمات إلى أسفله غدواً ورواحاً، للوصول إلى التطبيقات المهمة للاستدامة عبر الممكنات الأهم التي يقدمها المسؤولون كلٌ في مجال اختصاصه وصلاحياته المعطاة، في مساهمة حقيقية من القطاع الخاص إلى جهود الحكومات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030. إن الاستدامة الحقيقية تتسم بروح الشفافية في مناقشة التحديات وخوض المعتركات لأجل ترسيخ الحلول العلمية والعملية، مع كامل الدعم المالي والمعنوي، وتسخير الإمكانات الحقيقية نحو بناء المستقبل الأفضل للجميع.

إنها دعوة للقطاع الخاص وكل مسؤول أو متخذ قرار أن يعي ما هو معنى الاستدامة للمنظومة التي يرأسها، خصوصاً في الشركات الكبيرة ذات الأثر العالي، ودعوة للقيادة بالمثل، إيماناً بذلك وتعهداً بالعمل قبل القول، أو ببساطة النطق صراحةً بـ"لا للاستدامة"، فإن خير الكلام ما قل ودل، ولكيلا تعول الدول عليكم في طموحاتها الخضراء في الحاضر والمستقبل.

  •  

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي