الاحتيال المالي وخداع الحوكمة

تحدثنا في المقال الماضي عن الفضائح المالية، وعما إن كانت ظاهرة إيجابية أم سلبية.
وفي هذا المقال نتحدث عن القضاء على الفضائح المالية، هل هو ممكن؟ وهل يجب أن يكون أمرا مستهدفا؟ وإن لم يكن أمرا ممكن الحدوث فكيف يجب أن ننظر إلى حجم الفضائح المالية في السوق ونقرر ما إن كانت أكثر من المعقول والمسموح أم لا؟
تعد الفضائح المالية ظاهرة دائمة في تطورها، وتؤرق عالم الأعمال والاستثمار كثيرا وتقلق المستثمر والجهات النظامية على حد سواء.
يبتكر المحتالون طرقًا جديدة للغش والخداع وتزييف المعلومات، ومع تقدم التكنولوجيا وتطور الذكاء البشري، يجد المجرمون باستمرار طرقًا مبتكرة لخداع قواعد الحوكمة والرقابة التنظيمية وتقارير المحاسبة، حتى النظام القانوني.
في عالم يتصل ويترابط كل يوم بصورة مختلفة عن اليوم الذي يسبقه، يستغل المجرمون ثغرات في الأنظمة الرقمية لارتكاب احتيالهم المالي. وتشمل الأمثلة اختراق المؤسسات المالية، والتلاعب بخوارزميات التداول والاستثمار وتنظيم مخططات الاحتيال الاحترافية لتحقيق المنافع الشخصية.
تتطور العقود ونماذج الأعمال ولا تتواكب معها الأنظمة الرقابية والمحاسبية. لماذا؟ لأن الأولى تتطور تبعا لابتكارات المال والأعمال المستمرة التي تبحث عن الربح، إذن فتطورها استباقي. بينما الثانية تتطور ببطء، لماذا؟ لأنها تستند على عملية التشريع التي تتطلب المراجعات والتنقيحات وتدخل كثيرا من الأطراف المختصة، فتصطدم الأنظمة الرقابية بتحدي التنفيذ والممارسة والمواءمة. هذا الفارق الزمني يشكل أحد أكبر الثغرات أو "الفرصة"، والفرصة أهم زوايا مثلث الاحتيال الذي يكتمل بالدافع والتبرير.
من جانب آخر، تتطور الأدوات المالية المعقدة مثل المشتقات والمنتجات المهيكلة والعقود المبتكرة، وهذا يفتح فرصًا جديدة للأنشطة الاحتيالية.
يصنع التعقيد وعدم الشفافية – خصوصا في المراحل المبكرة لهذه الأدوات - صعوبات كبيرة على الجهات التنظيمية والمستثمرين تمنعهم من التعرف على الأخطار الخفية أو تعارضات المصالح التي لم تظهر بعد، أو التقديرات الاحتيالية التي تستغل.
التداول الداخلي أحد الأمثلة الجيدة على التحديات التي تصعب معالجتها. حيث يستغل الأشخاص الذين يمتلكون معلومات متميزة موقعهم لتحقيق مكاسب شخصية.
إضافة إلى ذلك، يزيد انتشار المعلومات السريع في منصات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت من خطر تسريب المعلومات والتلاعب بالسوق.
ومع كل تطور، يستمر الأشخاص عديمو الأخلاق في صناعة مخططات بونزي مبتكرة واستخدام النماذج الهرمية في السرقة بطرق جديدة، عادة ما تستخدم منتجات حقيقية جديدة أو تطورات تقنية حديثة، حيث يعدون المستثمرين بعوائد خيالية ويستخدمون أموال المستثمرين الجدد لسداد المستثمرين الحاليين.
تعد الفضائح المالية تحديًا متطورًا دائما ما يتطلب يقظة من المستثمرين والجهات التنظيمية على حد سواء.
من خلال الاعتراف بالأخطار المحتملة التي يشكلها التقدم التكنولوجي والذكاء البشري، يمكن لأصحاب المصلحة التحضير للتصدي لتأثير مثل هذه الفضائح استباقيا. ليس من المعقول أن يفترض أي مستثمر أو مسؤول أن هناك ما يمكن فعله للقضاء بالكامل وبشكل نهائي على هذه الظواهر المؤلمة.
تعزيز الرقابة التنظيمية، ومتابعة التطورات التكنولوجية، وتعزيز تعليم المستثمرين، وتشجيع الإبلاغ عن المخالفات هي خطوات حيوية نحو حماية سلامة الأنظمة المالية وحماية المستثمرين من ممارسات الاحتيال الناشئة.
في دائرة الرقابة والحوكمة عدد من الاتجاهات الحديثة التي تتطلب مزيدا من الاهتمام والتفعيل لتوائم التطور في أساليب الاحتيال والخداع، مثل: تحليل البيانات وتقنيات "البلوك تشين" والتقنية التنظيمية والرقابة الحية.
أخيرا، هناك دائما "نقطة تغيّر" حساسة في نظرة المستثمر للسوق، اختفاء الفضائح المالية تماما أمر مقلق قد يشير إلى ضعف الأنظمة الرقابية وعجزها عن كشفها ومعالجتها، كما أن كثرتها أمر مقلق كذلك، إذ يبرز ضعف هذه الأنظمة الرقابية في التصدي لها مبكرا وتفاديها. وبينهما تقع النسبة الجيدة التي يحترمها ويقبلها المستثمر، وتظهر قدرة النظام والثقافة والممارسات على تفادي الاحتيال ومعالجة ما يُكتشف منه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي