المعاملة الطيبة للخادمات وأثرها في دعوتهن
الحمد لله وحده, وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وبعد: فإن الدعوة إلى الله تعالى من أفضل الأعمال وأجلها, وأهلها لهم من المزية والشرف, ولهذا أثنى الله عليهم في كتابه الكريم ثناءً عاطراً, كما قال سبحانه : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت:33.
وينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يشارك في الدعوة إلى الله على علمٍ وبصيرة حسب قدرته واستطاعته, ولهذا صح عن المعصوم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: "بلغوا عني ولو آية".
وحيث إن النساء كما قال المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ "شقائق الرجال" فإنهن مطالباتٌ بأن يكون لهن إسهام يتناسب مع مكانتهن في المجتمعات في مجال الدعوة إلى الله, خاصة أن أفاضل النساء وكُمَّلهن كان لهن الصفحات الوضيئة المنبئة عن جهدهن الجليل في الدعوة إلى الله, وحسب المرء أن يطلع على سيرهن ليعلم عظيم أثرهن وكبير مساهمتهن, كخديجة وعائشة وغيرهما من الداعيات إلى الله.
وفي أيامنا هذه تضاعفت مسؤولية النساء المؤمنات في حمل لواء الدعوة إلى الله, بسبب حاجة بنات جنسهن إلى البصيرة في دين الله, وبالنظر إلى كثرة التلبيس والتضليل الذي يتعرض له كثير من النساء.
ومساهمة المرأة في الدعوة إلى الله موضوعٌ ذو أهمية وشجون, غير أني ألمح في هذه العُجالة إلى مسألة مهمة يحتاج إليها كثيرٌ من نسائنا الكريمات، ألا وهي مسألة تعاملهن مع من تحت أيديهن من العاملات في البيوت من النساء الوافدات.
حيث ينبغي بداية أن يكون استقدام الأسرة للخادمة مراعى فيه كونها مسلمة, فهذا هو المتعين.
ومهما يكن فلو قدر أن العاملة المستقدمة غير مسلمة فهذا يضاعف المسؤولية في دعوتها إلى دين الله, وتوضيح محاسن دين الإسلام وتحبيبها فيه.
وفي الجملة فإن من أفضل ما يكون في تحقيق دعوة النساء القادمات للعمل في بلادنا من الخارج, هو أن تسلك أخواتنا ربات البيوت ومن يسكن معهن من أخوات وبنات المسلك الشرعي في التعامل مع الخادمات وعموم النساء العاملات, بحيث تؤدى إليهن حقوقهن الواجبة, كما أمر بذلك المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" أخرجه ابن ماجه. وينبغي أن يلاحظ عدم تكليفهن بما لا يطقنه أو يشقُّ عليهن من الأعمال, فهن في نهاية الأمر نساء ضعيفات لهن قدرة محدودة.
ومما ينبغي أن يلاحظ كذلك: أن تحفظ المرأة لمن تحت يدها من الخادمات والعاملات مشاعرهن وأحاسيسهن, فالعاملات والخادمات لا تخلو الواحدة منهن في سبيل مجيئها للعمل من أن تكون أمَّا فارقت أطفالها, أو زوجاً فارقت عشيرها, أو بنتاً تركت محضن أهلها الدافئ, ثم جئن إلى غربة أجبرهن على تحملها شظف العيش وشدته, فلا بد من مراعاة هذه المشاعر, ومحاولة التخفيف عليهن, مع الإحسان إليهن بأنواع الإحسان قولاً طيباً وفعلاً كريماً.
وكان لمثل هذا التعامل أثره العظيم في إقبال عدد من النساء الخادمات والعاملات غير المسلمات على اعتناق الدين الحنيف؛ لما وجدن فيه وفي كثيرٍ من أهله من الأخلاق الفاضلة والمبادئ الجليلة, بما يدل على أنه هو دين الحق الذي لا يجوز لمكلف أن يختار سواه.
وفي ضوء ذلك فجديرٌ بنسائنا أن يعلمن أن مسؤوليتهن كبيرة وعظيمة في دعوة نسائهن الخوادم وترغيبهن في دين الله والاستقامة عليه, وأن يعلمن أنهن متى فرطن في ذلك فإنما يفرطن في واجبٍ كبير, وأن تفريطهن هذا له آثاره السيئة فيهن في الدنيا والآخرة .
وأشير أخيراً إلى ضرورة الاستفادة من مكاتب توعية الجاليات المنتشرة ـ بحمد الله ـ في أرجاء المملكة, وبإمكان أخواتنا الكريمات أن يستفدن من تلك المكاتب بتوفير الكتيبات والمطبوعات المناسبة بلغات متنوعة, وبحسب الشخص, إن كان مسلماً حديثاً أو من قديم, أو ليس بمسلم, وفي مجالات متنوعة من العقيدة والعبادة والأخلاق وغير ذلك .
أسأل الله التوفيق للجميع, وصلى الله وسلم على نبينا محمد.