نذر حرب في أعالي البحار
كشفت واقعة خطف الناقلة السعودية سيريوس ستار حادثة غير مسبوقة للقرصنة البحرية في أعالي البحار, وذلك عندما كانت السفينة تبحر في قلب المحيط, ما يثير تساؤلات عدة حول هذا التحول والامتداد للقرصنة البحرية, وعما إذا كان الأمر يتعلق بقرصنة بحرية أو يتوارى خلف أهداف أخرى ستظهرها الأيام؟
ورغم أن هذه الواقعة تتكرر كثيرا حول سواحل دول الفقر وتراكم الأزمات المعيشية وضعف البنى التحتية للحكومات العاجزة عن السيطرة على سواحلها أمنيا, غير أن توغل القراصنة إلى أعالي البحار وعلى بعد 450 ميلا عن السواحل الإقليمية لمناطقهم يعني تطور القرصنة وأدواتها وتجهيزاتها ودخولها منحى خطيرا بخطف أول ناقلة نفط, وفي المقابل بقاء مكافحتها دون تطور يستتبع ذلك ضعف رد الفعل الدولي, وهو ما أدى إلى تزايد حوادث القرصنة بشكل لافت باتجاه نذر حرب في أعالي البحار, وهي تحديات تواجه حركة التجارة العالمية في وقت تزامنها مع الأزمة المالية العالمية, وهو ما سيرتب تداعيات تؤثر سلبا في صادرات دول الخليج والشرق الأوسط وممراتها المائية, وحركة النقل فيها ويزيد من التكاليف.
وكان المجتمع الدولي قد رسم القانون البحري ليشمل القواعد القانونية التي تنظم العلاقات البحرية بين الدول سواء في وقت السلم أو في وقت الحرب, ويتضمن ذلك القانون حرية الملاحة والبحار, والبحر الإقليمي وأعالي البحار, المهربات البحرية, والغنائم وحماية البيئة البحرية.
كما نظم المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة القانون البحري العام وعديدا من المعاهدات والاتفاقيات الخاصة. ومنها المعاهدة الخاصة بحصانة سفن الحكومات المفقودة في بروكسل 10 نيسان (أبريل) 1926, والمعاهدة الدولية الخاصة بالتدخل في أعالي البحار في الحوادث والمساعدة البحرية وهي المعونة التي تقدمها سفينة إلى أخرى في حالة الخطر إلى أن أصبحت المساعدة التزاما قانونيا.
إن هذه الواقعة تثير مبادئ تطبيق المساعدة للسفن طالبة النجدة, خصوصا إذا علمنا عن وجود بعض السفن الحربية الأمريكية والفرنسية حول منطقة الواقعة ولا ينال من ذلك أن وجود الأسطول البحري الأمريكي الخامس هو لمهمة مكافحة الإرهاب, إذ إن القرصنة بشكلها الحديث وفي أعالي البحار تدخل ضمن مفهوم الإرهاب, وفي واقعة الأسبوع الماضي طبقت فيها البحرية الروسية مبادئ المساعدة حين لاحقت قراصنة صوماليين استجابة لإغاثة تلقتها من ناقلة سعودية تجارية.
إن قراءة التحول وتفاقم القرصنة البحرية في الممرات والمنافذ هي مرحلة لها ارتباط بصياغة القانون البحري الدولي وحركة التجارة الدولية, وإذا ما علمنا أن العرف في طلب الفدية في القرصنة البحرية تقع على السفينة وأرواح الركاب بمن فيهم الملاحون دون ما تحمله من نفط وهو ما تحتاج إليه الصومال, فليس من المتوقع تفريط القراصنة في هذه السفينة.
والسؤال الأرجح هو: ماذا تغير في صياغة أساليب القرصنة وامتدادها؟ ماذا جلبت التحولات السياسية للدول المطلة على المنافذ؟ وماذا خلفت من آثار؟
لا شك أننا أمام حدث يجب استغلاله فيما يحمي حركتنا التجارية, فهل يحمل ذلك مستقبلا مبشرات أم محبطات؟