مجلس التعاون بين صناعة قراراته وتطلعات شعوبه

يمر العالم بتحولات وأزمات تؤثر في صناعة قراراته، غير أن صوت تكتلات الدول الأكثر فاعلية في إيصال صوتها هو الأكثر تأثيراً في صناعة القرار وعالميته ونتاجه.
ومن هنا لا تجد دول مجلس التعاون خياراً من التحالف في سياساتها الاقتصادية لمواجهة التكتلات، وهو ما يوجب تغيير الأدوات الحالية وسرعة تشريع قوانين موحدة ترسم قواعد التحالف الاجتماعي والتجاري والاقتصادي بينها.
ويأتي دور الشعب الخليجي كأحد عناصر المعادلة في صناعة قرار توحيد القوانين، وآثار ذلك في التكامل الاقتصادي لمنطقة الخليج، كما يأتي استشراف الرأي العام الخليجي كأحد وسائل مجلس التعاون وقدرته على استشراف رأي عام يمكنه من اتخاذ قرار يلبي احتياجات شعوبه أو التعامل مع مستجدات الأحداث، أو تصحيح رؤية، وهو أحد قنوات الاتصال بين الحكومات والشعوب، حتى لا تتكرر تجربة تناقض بعض قوانين المجلس الموحدة مع دستور أي بلد عضو، كما حدث لقانون الجمارك الموحد عند تناقض بعض نصوصه مع النصوص الدستورية لدولة الكويت ما جعل المحكمة الدستورية في دولة الكويت تصدر حكما في هذا الشأن.
وفي هذا السياق يأتي إقرار العملة الموحدة، وأهميتها في الإسهام بإحراز مستوى عال من التقارب في الأنظمة، والسياسات الاقتصادية الخليجية، وإلى إرساء معالم أحكام التجارة، وإلغاء بعض الضوابط التي أقرت في وقت سابق، وإزالة المعوقات نحو مزاولة الأنشطة التجارية بين الدول الأعضاء، بل سيضاعف ذلك من حجم التبادل التجاري بين دول الخليج 250 في المائة ليصل إلى خمسة مليارات دولار، في حين يبلغ 20 مليار دولار وهي خطوة مهمة لتوحيد الأسواق الخليجية.
وسيعزز القانون التجاري الموحد والعملة الموحدة في ارتفاع مستوى الكفاءة الاقتصادية، وتنويع اقتصاديات الدول، والحد من الاعتماد على العائدات النفطية في وقت يشهد فيه النفط تقلبات في الأسعار، وستشهد السوق اندماجات للمنشآت الخليجية في مختلف القطاعات مستقبلا بما يمكنها من المنافسة العالمية في ظل تجارة حرة وأسواق مفتوحة.
ويبقى من الضروري رسم آليات تضمن انسجام السياسة المالية مع السياسة النقدية بعد توحيد العملة، فيما سيؤثر بطء التشريعات في سرعة التكامل في ظل مناخ يشهد نمواً متسارعاً في عمليات إدارة الاستثمارات، الأمر الذي يوجب تغيير الأدوات الحالية والعمل على هيكلة الاحتياجات على المدى البعيد بناء على الأساليب العالمية المتقدمة ووفقاً للمتطلبات الإقليمية الخليجية.
إن تحقيق معايير لتقارب الأداء الاقتصادي وتشابه الدول الأعضاء في الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية يعد من العوامل المساعدة نحو مفهوم تؤطره فكرة الوحدة الخليجية إلى مستوى تشريع أجندة خليجية تحمل صفة القبول وتعبر عن قاعدة من المشتركات الخليجية.
ولا شك أن المشهد الخليجي يتأثر بكل التحولات سواء الاقتصادية أو السياسية والثقافية، وسواء بأحداث الداخل أو التحولات لدول الجوار أو في الدول الأخرى، وقياس تلك التأثيرات في الرأي العام الخليجي مسألة غاية في الأهمية، لأنها تمكن صناع القرار من قراءة المشهد الوطني بدقة، وهو ما تنطلق منه القرارات المهمة لمعالجة تلك المسائل، وفق أجندة خليجية تأخذ في اعتبارها التصحيح والتمكين للمشروع الخليجي.
مجلس التعاون في صناعة قراراته لا بد أن يأخذ في الاعتبار الرأي العام الخليجي لأنه يحقق له رؤية لا بد منها عند مباشرة أي استراتيجية تحمل ملامح التطوير، أو ما يطول الشرائح الاجتماعية المختلفة، وهو أداة مهمة تقوده إلى تحقيق المعادلة الخليجية وتوجهات الشارع ما يجعل المجلس أقرب في قراراته من هاجسه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي