الاستثمار في الحقوق .. غزة أحد الشواهد

العلاقة بين القانون والسياسة علاقة متلازمة, ووضع اليد على مكامن القضايا والصعوبات التي تعوق نجاح أهداف أي دولة مع ما أفرزته الأحداث الأخيرة من مضاعفة النزوح نحو الإرهاب وترويج منطق الحرب, يثير إشكالية غياب الاستثمار الحقوقي للقضايا العربية.
قضية غزة هي أحد الشواهد, وقد أثبتت أن التكوين الحقوقي للقضايا العربية في المجتمع الدولي يجب تعزيزه أكثر مما هو عليه, إذ ما زال توظيف الحقوق وإسهاماته في خدمة تحقيق المطالب أقل من المتوقع, فالصراعات المطروحة أمام العالم لم تعد تقاس بحجم البعد الجغرافي أو بالانتساب الإقليمي, وإنما تقاس باختصار المسافات وتفاعل الحضارات واستغلال القانون, وهو ما دعا معظم الدول إلى التعامل مع الأزمات الراهنة وفق منطلقات جديدة, من أهمها الحقوق.
إن استدعاء المسألة الحقوقية يغنينا عن البحث عن الفكر المؤسس لخطط الهيمنة الصهيونية في حقل القانون الدولي, وأمام إرهاصات الدخول في النظام الدولي الجديد من خلال تبادل المنافع وأمام مواجهة استغلال الأعداء لعبة القواعد القانونية, فإن المعالجة تمر عبر الاستثمار الحقوقي كرؤية في التفكير لدرجة التمكن من المساهمة في صياغة القانون الدولي, أو على أقل تقدير المطالبة بتطبيقه.
الراصد للمشروع الصهيوني ـ الأمريكي في القطاع, وقد يكون في الشرق الأوسط, يجب ألا يقف عند حد تقييم نشاط المقاومة وموجة الرفض الشعبية, إنه يستهدف خلق سوابق قانونية ضمن تداعيات أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) لعام 2001, التي أعادت رسم خريطة السياسة الخارجية الأمريكية, والمتتبع لخطوات تلك السياسة يجد أن الهدف الاستراتيجي للقوى العظمى يصاغ بإطار وبعد قانوني وبتأصيل جديد لم يعهده القانون الدولي من قبل (قضايا العراق ودارفور ولبنان والبشير).
والراصد للمشهد اليوم يدرك ـ رغم نفوذ الكيان الصهيوني ـ أن القانون لا يعمل لمصلحة إسرائيل, إنها حقيقة يؤكدها الموقف الأمريكي عندما عبرت سوزان رايس سفيرة الولايات المتحدة داخل مجلس الأمن بأن على إسرائيل إجراء تحقيق في الاتهامات الموجهة لجيشها بانتهاك أحكام القانون الدولي, والسبب في ذلك أنه حتى بمنطق المصلحة فإن استثمار الحقوق ضد إسرائيل يحمل من يساندها أمام احتمالية خسارة مرتكزات الاعتدال في المنطقة وعدم المراهنة على حلم دولة لا يتحقق.
ورغم ما يصادفه أمر استثمار الحقوق من مصاعب ومشاق في ظل وقت يتزامن مع هيمنة غربية على فقه القانون الدولي, إلا أنه من المهم إيقاظ الحس الحقوقي العربي لدى المجتمع الدولي وتوظيف الإمكانات بإنتاج يمكن تلمس آثاره في القضايا العربية, وبين هذا وذاك تبدو معادلة المساهمة في صناعة القانون الدولي مهمة ليست ضرورية فحسب, بل حتمية, وإلا فإن القضايا العربية ستقف عند حد المشاعر المتعاطفة التي ستتلاشى بعد حين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي