دفاعٌ عن حقوق الإنسان

تناولت وكالات الأنباء العالمية و الصحف المحلية مجمل فعاليات مناقشة تقرير السعودية في الدورة الرابعة للاستعراض الدوري الشامل في مجلس حقوق الإنسان في جنيف، هذا التقرير الذي أصبح بمثابة شهادة حسن سيرة وسلوك والذي يجب أن تقدمه جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة دون استثناء لضمان المساواة ونبذ الانتقائية التي كانت تُعاب على لجنة حقوق الإنسان السابقة في الأمم المتحدة.
وقد أشار الدكتور زيد الحسين نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان في مستهل كلمته أن " السعودية ليست دولة إسلامية فحسب بل مهد الإسلام وحضارته.. وموئل المسلمين أينما كانوا في أنحاء المعمورة مما يحتم عليها رعاية الإسلام وإقامة شعائره وحماية مقدساته". ومع توضيحه لهذه الخصوصية، اعتبر أن عملية المراجعة الدورية الشاملة "تلتقي ومبادئ عقيدتنا" مستشهدا بقوله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان". وقد أوضح التقرير أن ثمة إصلاحات كبيرة تمت في مجال حقوق الإنسان منذ عام 1992. وهي صدور النظام الأساسي للحكم، وتحديث نظام المناطق ونظام مجلس الشورى واعتبر التقرير أن من أبرز إنجازات المملكة في مجال حقوق الإنسان "إنشاء الهيئة الحكومية لحقوق الإنسان".
والذي يهمنا هنا الحديث عن المرجعية الدولية لحقوق الإنسان وهل بالفعل راعت الخصوصية الثقافية؟ وهل الإعلان العالمي مرجعية مقننة في مجال حقوق الإنسان, أم يراد تقديمه كشريعة ودين يُلزم به أمم الأرض شعوباً وحكومات كما هو الحال في الديمقراطية الغربية؟ وهذا ما أشار له وزير خارجية فرنسا السابق فيدرين بقوله: "إن الغرب يميل إلى اعتبار الديمقراطية ديناً جديداً يدعو الناس إلى اعتناقه"، أما مرجعية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فقد جاء الإعلان مباشرة بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وواكب المناداة به مشروع "مارشال" لإعادة إنعاش أوروبا اقتصاديًّا، فكان الإعلان نصاً وروحاً يعكس الثقافة الأوروبية الغربية القائمة على التصنيع والحداثة، ومن ثَمَّ تبنَّى الإعلان منظومة القيم السائدة في ذلك الوقت. وبطبيعة الحال فإن الإعلان ميثاق وضعي اكتنفه الخلل والنقص وأحادية الرؤية في جوانب كثيرة منه وقد وجهت لهذه المرجعية المزعومة انتقادات كثيرة من الغرب أنفسهم بدءا من بيرتراند بينوشه في كتابه "انتقادات حقوق الإنسان"، بل إن الفيلسوف بيرك أكد أن الفلاسفة الذين أسسوا الإعلان العالمي إنما ينفذون خطة لهدم الديانة المسيحية!، ولعل أبرز الانتقادات الموجهة هي أن الإعلان كرس حرية رأس المال أو الحرية الاقتصادية التي غدت في نهاية الأمر استعباداً للإنسان وطغيان حوّل الإنسان والطبيعة من حوله إلى سلعة أو وسيلة وهي ما يسميهما المسيري التسلع والحوسلة، وقد أشار فانيجم في انتقاده لحقوق الإنسان الغربية أن الغرب أوجد كائناً اقتصادياً محكوماً عليه بالعنف والسآمة والعبثية في حياة مهددة وغير مضمونة العواقب.
إن عالمية ميثاق 1948 هي عالمية نسبية أو قل عالمية أوروبية وها دولة عظيمة كالصين بتعداد سكانها وثقلها السياسي والاقتصادي لا تؤيد بصراحة أو تشارك في عولمة حقوق الإنسان الغربية.
إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يستند في أساسه الفلسفي إلى التراث اليوناني، والإرث الروماني، ونظرية التطور الدارونية وسيادة الفلسفة البراجماتية، وهذه مصادر مضطربة متناقضة لا تمنح للإنسان حقوقاً، أما جانب القيم فالبراجماتية مآل فلسفتها هو الإلحاد، فهي فلسفة لا تقيم للدين أو المعتقدات وزناً إلا ما يعتقده فلاسفتها، والإلحاد كفيل بضياع الإنسان وفقد توازنه، إذ هو فكرٌ عبثي، وخلاصة أيدولوجيتها أن الإنسان لكي يستريح من القلق الوجودي أو البحث عن الإجابة على الأسئلة المصيرية عليه أن يعتقد أن ذلك الذي يفعله هو الحقيقة، وفكرة منظر البراجماتية الأول وليم جيمس في الإيمان أنه يرى أن من حق الإنسان أن يؤمن أنه يمكن أن يكون على حق لو آمن!
يذكر البروفيسور روبرت بلّه في بحث له بعنوان (التصور الثقافي والمستقبل الإنساني)، أن أمراً شديد الانحراف يكمن في الثقافة الغربية الحديثة, وأن المشكلات الثقافية الاجتماعية والسياسية المعاصرة هي نتيجة هذه الحقيقة, وأن الثقافات غير الغربية التي سبقت العصر الحديث يمكن أن تسهم بدرجة مهمة في إخراج الغرب من هذه المشكلات, لأن الرؤية الثقافية لها دور كبير في المستقبل الإنساني .
ومداولات السعودية وحقوق الإنسان ليست جديدة بل قديمة إذ بدأت بالندوات الثلاث التي نظمتها وزارة العدل السعودية في صفر من عام 1392هـ آذار (مارس 1972م) وشارك فيها عدد من المفكرين الأوروبيين, وأساتذة القانون منهم: وزير خارجية أيرلندا، ومدير المجلة الدولية لحقوق الإنسان التي تصدر في فرنسا، وعدد من كبار المحامين في محكمة الاستئناف في باريس. قال رئيس الوفد ماك برايد: من هنا ومن هذا البلد الإسلامي، يجب أن تعلن حقوق الإنسان لا من غيره " ( التركي، 2001 )
إن جهود هيئة حقوق الإنسان في تقديم تقرير المملكة جهود مشكورة وتدعو للتفاؤل لا سيما مع حداثة عمر الهيئة، إلا أن الأمر يتطلب مزيداً من العمل لا سيما في قراءة ومخاطبة العقل الغربي الذي يؤمن بالتعاقدية ويعتقد الصراع وهاديه في ذلك المنفعة والذرائعية. الأمر الذي يتطلب الاهتمام بالدراسات والبحوث في هذا الجانب ولعله ينشئ مركزاً لهذا الغرض ضمن هيكلية هيئة حقوق الإنسان.
واللافت للنظر في حيثيات تقديم تقرير المملكة مداخلة السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة ليشنو يار ومطالبة بإلغاء الأحكام والعقوبات البدنية القاسية وغير الإنسانية!، ليشنو هذا هو الذي برر بالأمس قتل المدنيين الفلسطينيين في غزة أنه دفاعٌ عن النفس يتحدث عن حقوق الإنسان! وهو ابن الصهيونية العنصرية التي أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 قرارا باعتبارها حركة عنصرية. لكنها ألغت القرار السابق في التسعينيات بضغوط أمريكية. ثم دعا مؤتمر ديربان في جنوب إفريقيا في أيلول (سبتمبر) 2001 إلى إعادة تجديد قرار الأمم المتحدة الداعي لاعتبار الصهيونية حركة عنصرية، وطرد مندوب إسرائيل من ذلك المؤتمر.
لا تتعجبوا يا سادة فنحن في عصرٍ يتحدث فيه البغي عن الفضيلة ويتحدث فيه اللص والخائن عن الأمانة!

خاطرة:
أمتي! كم غصةٍ داميةٍ
خَنقتْ نجوى علاكِ في فمي
أيُّ جرحٍ في إبائي نازفٌ
فاتَه الآسي، فلم يلتئمِ
اسمعي نَوْحَ الحزانى واطرَبي
وانظُري دَمْعَ اليتامى وابسمي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي