سياسة المملكة التنظيمية للبنوك وتطوير بيئة الاستثمار .. أنموذجية
نصح لارس ثانيل رئيس مؤسسة التمويل الدولية ـ IFC ـ عضو مجموعة البنك والمعنية بدعم القطاع الخاص المستثمريين السعوديين ورجال الأعمال الاستثمار في مجال الزراعة لأنها القطاع الناجح لضخ الأموال فيه في الوقت الراهن عقب الأزمة المالية العالمية.
وقال لارس في حوار أجرته معه "الاقتصادية" على هامش زيارته للسعودية التي قام بها أخيرا، مشيرا إلى أن برنامج زيارته اشتمل على مناقشات مع عدد من المسؤولين في القطاعين الحكومي والخاص للتأكيد على التزام مؤسسة التموين الدولية المستمر تجاه تنمية القطاع الخاص في السعودية ومنطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وطرح في هذا الحوار الخاص عديدا من النقاط المهمة هو ماهية عمل مؤسسة التمويل وبرنامجها المستقبلي في ظل المتغيرات التي شهدتها خريطة العالم الاقتصادية فإلى محصلة الحوار:
ـ ما النتائج المستخلصة من برنامج زيارتكم للسعودية حاليا؟
كانت زيارة مثمرة جدا والنقاشات التي أجريناها والوفد المرافق لي مع مختلف الجهات كانت بناءة ومفيدة، وانصب وتركز معظم النقاشات على محور تداعيات الأزمة المالية العالمية على هذه المنطقة وعلى المملكة بالتحديد. علما بأن وضع المملكة يعتبر جيدا بالنسبة لغيرها من الدول نظرا لمكانتها المالية القوية ووضعها الاقتصادي القوي باعتبار النفط العنصر الأساسي لمصادر الدخل القومي، ومواردها الطبيعية إضافة إلى سياساتها المحافظة فيما يخص قطاع البنوك التي سبق وتعرضت لانتقادات، إلا أنه أثبتت أنها كانت سياسات حكيمة.
#2#
وخلال هذه الزيارة الإيجابية أجرينا كثيرا من النقاشات والمفاوضات حول المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تهم المملكة إلى حد كبير، لأن مثل هذه المشاريع تعد في غاية الأهمية من ناحية توفير أكبر عدد من الوظائف على المدى الطويل في أي دولة. كما تطرقنا إلى قضية التمويل العقاري بهدف توفير عقارات بأسعار معقولة .كما طرحنا فكرة القروض الطلابية التي نراها مهمة جدا.
وكما طرحنا مبدأ التعاون مع الشركات الكبيرة في المملكة والمستثمرين الذي بدأ فعلا، فيما يخص الاستثمار الخارجي مما أثمر استثمار 450 مليونا في عدد من الدول مثل: إثيوبيا، اليمن, مصر، وباكستان خلال السنتين الماضيتين وهذه مسألة ركزنا عليها من أجل استمرارها والعمل على اتباع هذا النهج ومثل هذه الجهود.
كما ناقشنا استجابة مؤسسة التمويل الدولية IFC للأزمة العالمية التي نحرص على أن تكون أوليتها كجزء من مجموعة البنك الدولي هي الاعتناء بفقراء العالم والدول النامية، وقد تداولنا عدة مبادرات في هذا المجال مع وزير المالية ووزير التجارة وساما. وخاصة فيما يتعلق بمبادرة الملك عبد الله للاستثمار الزراعي في الخارج ومن أهدافنا في ذلك أن نساعد حكومات الدول النامية على إعادة هيكلة بنوكها نظرا لعدم قدرتها على فعل ذلك بمفردها كما تفعل الدول المتقدمة، ولذلك أنشأنا صندوقا لإعادة هيكلة البنوك, وقد تعاونت معنا الحكومة اليابانية بمبلغ ملياري دولار، وتستمر المفاوضات مع عدد من الحكومات بغرض تمويل هذا الصندوق. ونتوقع أن ننجز أول استثمارات الصندوق بحلول قمة العشرين المقبلة في نيسان (أبريل).
على صعيد آخر ناقشنا تأسيس برنامج التمويل التجاري الذي يهدف إلى مساعدة التجارة العالمية التي تواجه مأزقا شديدا. كما أنشأنا صندوقا للتمويل الجزئي المستدام حول العالم, حيث إن البنوك التجارية باتت تمتنع عن التمويل الجزئي. ونعمل على مشروع لتمويل وتشجيع الاستثمار في الأسواق المنبثقة (الناشئة أو البازغة) بالذات في قارتي إفريقيا وأمريكا الجنوبية.
ولقد كنا ناشطين في مجال الزراعة الذي يعتبر من أولويات المملكة، وتركز جهودنا على كل ما يتعلق بالزراعة من تصنيع الغذاء ونقله، كما اهتممنا بالمنتجات الزراعية التي يتم الاستفادة منها لتصنيعها وتسوقيها كمنتجات استهلاكية غذائية يستفيد منها المستهلكون في حياتهم اليومية المعيشية لتصبح في متناولهم، واستثمرت المؤسسة 1.4 مليار دولار في الصناعة الزراعية لعام 2008، ليصبح الغذاء أكثر توفرا وأقل تكلفة وكذلك تسعى لزيادة استثماراتها الزراعية لهذا العام، كما بحثنا الاهتمام وإعطاء الأولوية لصغار المزارعين المحليين. وتبين لنا أن أغلب المشاكل تكون فيما يتعلق باللوجستيات والبنية الأساسية اللازمة، فمثلا في إفريقيا يتلف 40 في المائة من الغذاء المصنع أثناء عملية نقله إلى المستهلك. وكان هذا من المواضيع الرئيسية التي تحدثنا فيها مع الحكومة ومع المستثمرين في القطاع الخاص.
#3#
ـ بماذا تنصح المستثمر السعودي بالذات فيما يتعلق بقطاع الزراعة، وهل تتوقع أن تثنيهم الأزمة الحالية عن الاستثمار أم أنها تمثل فرصة جيدة لهم؟
أعتقد أن هذه الأزمة العالمية تمثل كارثة لفقراء العالم، أما أصحاب الميزانيات القوية فهي تعتبر فرصة بالنسبة لهم ، خاصة في انخفاض الأسعار على كافة المستويات، إضافة إلى أن عدد السكان في ازدياد مستمر كما أن القارة الإفريقية مجال رحب للاستثمار الإيجابي والمفيد من نواح كثيرة منها التسويق والتصدير. وبالتالي فنصيحتي لهم أن يبحثوا عن المشاريع الراسخة والواعدة ويستثمروا فيها.
ـ كيف يرى البنك الدولي الوضع الاقتصادي بشكل عام في منطقة الخليج وخاصة السعودية عقب الأزمة المالية العالمية وما الإمكانات الموجودة وما الفرص المتاحة لها؟
تتكون المنطقة من دول عديدة لكل منها نقاط قوة ونقاط ضعف فيصعب التعميم، ولكن مقارنة بباقي مناطق العالم فلدى هذه المنطقة ميزانية قوية نسبيا وموارد طبيعية كثيرة. كما أن عدد السكان فيها ينمو بشكل مطرد وازياد كبيرين، مما يمثل مشكلة إلا أنها فرصة ممتازة أيضا. قال لي أحد المستثمرين في القطاع الخاص وأنا أتفق معه، أن إمكانية أن تتعافى المنطقة من هذه الأزمة أفضل وأسرع من غيرها من مناطق العالم.
ـ بحكم خبرتكم كيف ترى أثر الأزمة العالمية في تغيير معادلة القوى الاقتصادية في العالم ؟
لقد رأينا تقدما ونموا كبيرا خلال السنوات العشر الماضية، ومن الواضح أن الأزمة الحالية لها آثار خطيرة. ولا شك أن التفكير في التغيرات التي ستصيب النظام الاقتصادي العالمي القائم ضروري. وينبغي أن نحذر ونقاوم سياسات الحماية في المدى القصير، ولعل ذلك سيكون من المواضيع الرئيسية التي ستناقش في قمة العشرين المقبلة. ولكني لا أتوقع حدوث تغير جذري لأن العالم رأى بوضوح أهمية التجارة الحرة والعولمة في دفع دفة التنمية.
ولعل دورة النماء المقبلة ستبدأ من الأسواق المنبثقة (الناشئة) وقد يؤدي ذلك إلى تغير في طريقة التعاطي في مجال الشركات والتجارة وفي أنظمة التوزيع وفي تطوير المنتجات. والأمر يستدعي كثيرا من الابتكار والتفكير بأساليب مختلفة عن الماضي.
ـ ما أجندتكم الاستثمارية بالنسبة للمملكة؟
الحقيقة هي أن ميزانيتنا محدودة وبالتالي ينبغي علينا أن نرتب أولوياتنا لنرى أين نستطيع أن نقدم أكبر منفعة للفقراء في العالم , وهذه هي أجندتنا التنموية وعلى هذا الأساس أرى دورنا في هذه المنطقة كدور تحفيزي ولهذا مثلا استثمرنا في قطاع العقار حيث نقدم التمويل والأهم الخبرة من تجارب الدول الأخرى ، وبالتعاون مع البنوك نوفر البداية الصحيحة والتحفيز اللازم لهذا القطاع . فنحن ننتقي المشاريع التي تستحق أن تولى الأهمية وهذه سياستنا.
ومن أولوياتنا في المملكة المساعدة على تطوير الأسواق الإقليمية ومساعدة رجال الأعمال السعوديين في الاستثمار الخارجي .
تركز المملكة الآن على تنمية الموارد البشرية، فما الذي تستطيعون تقديمه في هذا المجال؟
نحن نشارك في هذا الجهد ونساهم في تنظيم المؤتمرات والتدريب المتخصص، كما يقدم خبراؤنا كثيرا من المعلومات والنصائح حول أفضل الممارسات في هذا المجال إضافة إلى الأخطاء. كما نتعاون مع البنوك في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ـ برأيك ما الخطوات التي يمكن أن تتخذها الحكومة السعودية لتطوير القطاع الاقتصادي والمالي؟
لقد طورت المملكة بيئة الاستثمار لديها إلى حد كبير، كما أن سياساتها التنظيمية للبنوك كانت حكيمة جدا، فهناك إيجابيات كثيرة وإمكانيات لأن يكون لها دور قيادي في العالم في هذا المجال. وفي حين أن هناك اهتمام كبير لديكم بقضية البيئة إلا أن الأمر يستدعي مزيدا من التركيز والاهتمام في هذا الجانب. ويبدو أن الحكومة مهتمة جدا بقضية الأمن الغذائي وهي في غاية الأهمية.