مَن يُنصف الهيئة؟

إن من نافلة القول أننا إذا أطلقنا لفظ الهيئة فنعني به هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذلك الجهاز الذي يطلع بدور ريادي في مكافحة الجريمة الأخلاقية التي ارتفعت وتيرتها في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ .
وفي تقديري أن الجريمة الأخلاقية – كظاهرة إنسانية – تمر بثلاث مراحل حتى تتكون، هذه الثلاث مراحل هي: مرحلة البذور ثم مرحلة الجذور ثم مرحلة الثمار (المُرة) أو النتائج والظواهر، والتعاطي الشرعي والعقلي يحتم المعالجة الفاعلة للجريمة في المراحل الأولى، ما يوفر الجهود ويحد من هدر الطاقات، لذا فالخطوة الأولى منع هذه البذور وقطع اليد التي تسعى إلى غرسها أو تهيئة المناخ لها، فإن لم نستطع ذلك فيتحتم العمل على اجتثاث الجذور، فإذا أعيتنا الحيلة فليس ثمة مجال سوى التصدي للنتائج والظواهر.
إن من زار معرض الرياض للكتاب لا شك أنه رأى جناح هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومدى الإقبال عليه من شرائح المجتمع المختلفة، وقد كنت أتحدث مع أحد المشرفين على الجناح فمر بنا رجل أوروبي فلما رآه المشرف اضطر إلى قطع الحديث معي والترحيب بهذا الزائر, الذي ظهر أنه ألماني يتحدث العربية المكسرة، ولقد لاحظت مدى الحفاوة البالغة لهذا الزائر، إذ قام بإطلاعه على معروضات الجناح ثم قام بإهدائه نماذج من إصدارات الهيئة في ملف أنيق ينبئ عن جودة وإتقان في العمل، كما لاحظت أن شريحة الشباب كان لها حضور كثيف في الجناح, ورأيت بوضوح علامات الإعجاب والتقدير في وجوه مرتادي الجناح وعلى محياهم.
ومن واقع تعاملي مع شريحة الشباب بأطيافهم المختلفة تكونت لدي قناعة كبيرة جداً مفادها أنه مهما ظهرت عليهم معالم التغريب أو فقدان الهوية وركوب آخر التقليعات في الملابس أو غيرها, إلا أن لديهم قلوبا تخفق بفطرة سليمة وجوهرٍنظيفٍ ينبئك عنه نقاشك لهم في قضايا الهوية والتغريب.
إن فلسفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزء لا يتجزأ من هوية وبنية المملكة الإسلامية، كما أن جهاز الهيئة كباقي أجهزة الدولة يقوم على مجموعة من الأفراد ليسوا معصومين ألبتة، كما أنهم ليسوا فوق النقد ولا بمنأى عن التقويم لكن المتأمل في بعض الأطروحات الصحافية حول الهيئة ونقدها يقرأ بين السطور نقداً لأصل وجودها لا نقد ممارساتها، بل دعوة إلى تحييدها من منطلقات أيديولوجية ليبرالية تحمل على عاتقها وعلى رأس أجندتها التغريب والاحتفاء بالنموذج الغربي للحرية الشخصية - الذي أصبح مجال مراجعة ونقد في الغرب ذاته - ولذا نجد من يتعمد إشعال حرائق صحافية بين الفينة والأخرى مقصياً فيها لرأي الغالبية الصامتة مغيباً مشاعرهم التي تخفق بالتأييد والامتنان للهيئة وإنجازاتها.
إذا محاسني اللائي أدِلُ بها
كانت عيوبي فَقُلْ لي كيف أعتذرُ؟!
دعوني معاشر القراء أضع بين أيديكم نتائج دراسة علمية ميدانية قامت بها جهة علمية محايدة لدراسة جهود الهيئة وصورتها لدى عينة ممثلة للمجتمع, والدراسة مدعمة بلغة الأرقام والإحصاءات واستنطاق أفراد العينة، وكما تعلمون أن الأرقام لغة كمية لا تحابي أحدا.
هذه الدراسة هي (دراسة وقوعات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دراسة ميدانية لأنواعها، حجمها، أسبابها، الآثار المترتبة عليها، وأساليب الحد منها) جاء فيها:
1- دلت الدراسة على أن نسبة (90 في المائة) وصفوا تعامل أعضاء الهيئة بالعادي أو اللطيف.
2- أن الاتجاه العام في المجتمع السعودي نحو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمبدأ وشعيرة وجهاز وأعضاء إيجابي وبدرجة عالية.
3- أن اتجاه مرتكبي الوقوعات نحو الهيئة إيجابي وقوي إلا أنه يختلف باختلاف نوع الوقوعة حيث يرتفع في مرتكبي وقوعات العقيدة والعبادة والمطبوعات، بينما يقل هذا الاتجاه في مرتكبي وقوعات المخدرات وأصحاب المحال التجارية.
4- أن الاتجاه العام نحو أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إيجابي.
5- دلت الدراسة على أن (85 في المائة) من أعضاء الهيئة حصلوا على دورات تطويرية، وأن (15 في المائة) منهم يجيدون لغة أخرى غير العربية، وأن (63 في المائة) منهم يجيدون التعامل مع الحاسب الآلي.
أما دراسة المشكلات الميدانية دراسة ميدانية تقويمية لمشكلات العمل في مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المنفذة عام 1429هـ فقد قاست الصورة الذهنية للجهاز في المجتمع وخرجت بأن درجة تحقق مؤشرات الصورة الذهنية عن الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إيجابي لدى أفراد العينة من العاملين في الجهات ذات العلاقة بعمل الهيئة؛ حيث بلغت نسبة مئوية مقدارها (74 في المائة)؛ وهذا يوضح أن الصورة الذهنية عن الهيئة لدى أفراد العينة تتسم بالإيجابية بدرجة جيدة.
وقد جاء أن الهيئة مؤسسة حكومية تقوم بوظيفة مهمة في المجتمع بالمرتبة الأولى بنسبة مئوية مقدارها 92 في المائة.
أما ما يتعلق بالمسؤولين فقد كانت أداة الدراسة المقابلات الحرة لعدد من مسؤولي الدولة في جميع مناطق المملكة، على رأسهم الأمير نايف بن عبد العزيز والأمير سلمان بن عبد العزيز وغيرهما من المسؤولين، ولمس الفريق من خلال هذه المقابلات الثناء على الهيئة، وبيان مكانتها المهمة، التي لا يجادل فيها أحد، وكذلك أثرها في حفظ الأمن في المجتمع، وذكروا بعض الإيجابيات، منها:
1- الهيئة من أقل الأجهزة الحكومية أخطاء، وما ينسب للهيئة من أخطاء فإنما هي مضخمة.
2- للهيئة جهود جبارة في مكافحة الجريمة.
3- رجل الهيئة يبذل جهداً كبيراً في عمله؛ فهو يتميز بأنه لا ينظر في الوقت، بخلاف غيره.
4- أفاد بعض المسؤولين أن رجال الهيئة متمكنون من عملهم، فمحاضرهم تأتي واضحة، ويتميز عملهم بقوة الضبط والمسوغات والقرائن والتعابير اللغوية الدقيقة . أ .هـ

إن الشريعة الإسلامية والقيم الإنسانية النبيلة والأصالة العربية تأبى الظلم والضيم أن يقع على مرأى ومسمع أحدنا دون أن يحرك ساكناً، بل حتى العرب في جاهليتها كانت تعرف الفضيلة وتسعى إلى المحافظة عليها, وذلك من آثار الفطرة التي سلمت من المشوهات، وها هي امرأة النعمان بن المنذر عندما سقط نصيفها وهي مارةٌ على مجلس القوم فما كان منها إلا أن وضعت يدها على وجهها وتناولت بالأخرى نصيفها، فقال النابغة الذبياني:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه.. فتناولتْه واتّقتنا باليدِ
فهل يعي بعض من يمارس التجديف عكس التيار أن الهيئة جزء لا يتجزأ من الكينونة الوطنية لهذه البلاد، وأنها باقيةٌ ما بقيت هذه البلاد؟!

خاطرة
زمزمٌ فينا ولكن أين من
يقنع الدنيا بجدوى زمزمِ؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي