لماذا توقف هؤلاء عن الإنجاب؟ (1 من 2)
إذا كانت المرأة تكسب دخلا جيدا لا يجعلها في حاجة إلى الاعتماد على الزوج فلماذا الزواج إذا؟ وإن كان الشريكان يستطيعان الاستمتاع بعلاقتهما دون التورط بمسؤولية الأطفال لوفرة موانع الحمل وحرية المعاشرة الجنسية فما الحاجة إلى الارتباط الرسمي بعلاقة زوجية؟ وهل ما زالت هناك حاجة إلى الأبناء كتأمين مستقبلي للعجز والهرم ما دام هناك معاش تأميني لكبار السن؟
تلك هي القناعات المسيطرة على ذهنية معظم الأوروبيين حاليا، التي أدت نتائجها إلى بروز طبقة اجتماعية جديدة في الغرب يرمز لها بطبقة الـ Dinks كاختصار لجملة: double income no 2 kids وهي طبقة كفرت بمؤسسة العائلة والزواج وبالتالي المواليد، حيث تركز سعيها واهتمامها على مدى الأيام في مضاعفة مداخيلها المالية ونشاطها التجاري، وتعتبر الأولاد عبئا اقتصاديا لا حاجة ملحة إليه.
الغرب اليوم يموت تدريجيا، يتلاشى، يذوب ببطء، فلقد توقف أغلب أبنائه عن الإنجاب، بل إن قدوم طفل في كثير من البلاد الأوروبية والشمال الأمريكي أصبح مدعاة للقلق والضغوط لاعتباره عبئا اقتصاديا لا يحتمل، ما أدى إلى وجود تناقص حاد في الوعاء السكاني لـ 17 بلدا أوروبيا لتزايد معدلات الوفيات فيها عن معدلات المواليد مثل: بلجيكا، بلغاريا، كرواتيا، جمهورية التشيك، الدنمارك، أستونيا، ألمانيا، المجر، إيطاليا، لاتفيا، ليتوانيا، البرتغال، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، إسبانيا، وروسيا، وكل هذه البلدان مسيحية سواء كاثوليكية أو بروتستانتية أو أرثوذكسية ما عدا ألبانيا ذات الأغلبية المسلمة التي يتكاثر فيها السكان بشكل طبيعي وترتفع لديهم معدلات المواليد، وهذا يصيب جيرانها بالرعب والذعر.
في كتابه "موت الغرب " يذكر باتريك بوكانان Buchanan Patrick – ترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية مرتين ممثلا الحزب الجمهوري في سنتي 92/96 ومرشح حزب الإصلاح للرئاسة 2000 وكبير الاستشاريين لثلاثة من رؤساء أمريكا ومؤسس لثلاثة برامج تلفزيونية تعالج قضايا تنموية مهمة في قناتي CNN وNBC, أن عدد سكان أوروبا وأمريكا وأستراليا وكندا بلغ 750 مليونا إلى نهاية عام 1960 كانوا يعادلون 1/4 سكان العالم البالغ عددهم حينها ثلاثة مليارات نسمة، ومع بداية الألفية الثانية تضاغف عدد سكان العالم حتى وصل إلى ستة مليارات نسمة في خلال 40 سنة وأصبح الأوروبيون يمثلون 1/6 سكان العالم ، وما بين سنة 2000 إلى 2050 سيزيد تعداد سكان العالم ما بين ثلاثة مليارات إلى تسعة مليارات، وستكون هذه الزيادة العالمية كلها في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، بينما سيختفي 100 مليون من الجنس الأوروبي من على وجه الأرض وستصبح نسبتهم 1/10 من سكان العالم، وفي مقابل ذلك التناقص الحاد في سكان أوروبا يشتد تهديد mass immigration خطورة، حيث تتعاظم موجات الهجرة المقبلة من العالم الثالث وخاصة العربي والإسلامي للاستقرار في ديار الغرب حاملة معها اتساق نموها العددي وارتفاع نسبة المواليد لديها وكينونتها الثقافية المنفصلة سيكولوجيا عن الغرب مما يهدد العنصر الأبيض المسيحي بالانقراض والغرق بحيث حذرت "التايمز" اللندنية في (16/1/2000) بأن الأوروبيين أحد فصائل الكائنات المهددة بالانقراض Europeans are a vanishing species، فمع تقلص السكان في أوروبا إلى أقصى درجات التقلص ستفقد سوق العمل قوتها لأن قلة الإنجاب ستضطر أوروبا إلى زيادة استقدام العمالة الأجنبية التي ستجلب معها المزيد من احتمالات الاضطراب في المجتمعات الغربية، ومع ازدياد نسبة كبار السن تنتج مشكلة رفع نسبة الضرائب لتوفير معيشة مريحة لهم، ولذلك يرى بوكانان وجوب المسارعة في تشريع سياسة وطنية عامة تحث النساء على الإنجاب.
ولكن .. لماذا تتوقف النساء عن الإنجاب في أوروبا؟ وهل يتقبل الغرب انقراضه بلا مبالاة؟
هذا ما سوف أستكمله في المقالة المقبلة بإذن الله.
[email protected]