السكن حلم يتبخر
حتى كتابة هذه السطور تجاوز سعر مقاس طن بعض حديد التسليح 4500 ريال, وهناك تأكيدات بأن سعره سيصل خلال فترة وجيزة جدا إلى خمسة آلاف ولا نعلم أين سيقف, ولكن ما نعلمه أنه لن يعود أدراجه كثيرا حتى لو زالت أسباب غلاء سعره الجنوني, وبهذا الارتفاع يصبح حديد التسليح أسرع السلع ارتفاعا وأكثرها تكلفة على المستهلك, فخلال أشهر معدودة زاد سعر الطن ألفي ريال.
طرح هذا الموضوع مهم للغاية وسط هذا الغلاء الذي تعانيه السوق كون حديد التسليح ومعه بقية مواد البناء, مرتبطا ومؤثرا في واحدة من أهم مشكلاتنا الأساسية وهي مشكلة السكن التي تراكمت على مدى عقود لغياب الحلول الاقتصادية من تمويل ومشاريع إسكان ميسرة وفي متناول غالبية الناس. وفي ظل ارتفاع أسعار جميع مواد البناء وتحديدا الحديد والأسمنت هذا الارتفاع المهول الذي تضاعف أكثر من أربع مرات خلال أشهر معدودة, تعقدت مشكلة السكن وتحولت إلى كابوس مفزع يقض مضاجع الغالبية من الناس وهم يشعرون بأن أحلامهم بامتلاك سكن تبخرت وأن ما لديهم من مال لم يعد يكفي لإنجاز البناء الأولي, حتى بات يوصف كل من يقدم على بناء سكن في هذه الظروف بالمغامر, ونتيجة لذلك لم يعد خافيا وتحت مطرقة الغلاء في مواد البناء, وجميعها أصيبت بسعار ارتفاع غير معقول ولا منطقي, أن حركة العمران تباطأت وتراجعت, خاصة بناء المساكن الخاصة للأفراد, ومن سبق له أن شرع في البناء قبل عدة أشهر توقف تماما بعد أن شفط ارتفاع الأسعار كل ما كان قد وفره مما كان يكفي للبناء بأسعار سنة ماضية فقط.
قضية أسعار مواد البناء التي رفعت تكلفة البناء ثلاثة وأربعة أضعاف خلال سنة واحدة وحبلها على الجرار, قضية يجب أن يلتفت لها وتجد عناية خاصة وحلولا عاجلة لما لها من تأثير خطير في حياة غالبية الأسر ومعيشتهم, فالسكن الذي هو من الأولويات ليس متوافرا بالكم الكافي لتلبية حاجة نسبة كبيرة من طالبي السكن, وارتفاع أسعار الإيجارات يقضم معظم دخول الأفراد بعد أن سارع الملاك إلى رفع قيم الإيجارات مستغلين ومن دون مبرر موجة الغلاء, وبذلك بات المواطن يصارع حجري رحى تكلفة البناء الباهظة جدا وقيم الإيجارات المبالغ فيها, وفي ظل هذا الوضع فإن المواطن يتساءل: إلى أين المفر؟ المفر بعد الله للدولة, وهي التي يلوذ بها المواطن ويأمل أن تتدخل وترمي بثقلها لدعم إمكانات الأفراد المحتاجين والراغبين في بناء مساكن لهم على وجه الخصوص, وهذا ممكن من خلال عدة مبادرات يمكن تلخيصها في التالي:
1 ـ الاستفادة من تراكم أرباح البنوك الكبيرة في توظيفها بإيجاد مصدر تمويل عقاري ميسر لذوي الدخل المحدود بصفة خاصة, وهو ما يتطلب سرعة إقرار وتطبيق نظام الرهن العقاري دون إفقاده المنفعة منه بشروط صعبة ومعقدة كما كانت عليه قروض مؤسسة التقاعد المسماة "مساكن" التي لم نعد نسمع عنها.
2 ـ إيجاد حل لتأخر قروض صندوق التنمية العقاري مع تغيير نظام الإقراض بحيث يربط بالمتر المربع للبناء بواقع ألف ريال للمتر الواحد مثلا, أي مقابل كل 100 متر مربع يقرض 100 ألف ريال, وبذلك سيكون هناك تفاوت في قيم القروض يخدم الجميع, أما تجمد الصندوق عند نظام أقر قبل عقود وقائمة انتظار طويلة, يقلل من فائدته وفاعليته.
3 ـ وجود طرق تمويل إضافية لمن تعثر مشروعه لبناء سكن خاص له ومن ما زال يسكن بالإيجار بسبب غلاء مواد البناء وذلك بتقديم قروض ميسرة عن طريق بنك التسليف مثلا لاستكمال بناء سكنه حتى ولو سبق له الحصول على قرض صندوق التنمية.
4 ـ دعم سعر مواد البناء الأساسية على أقل تقدير للأفراد فقط لكي يمكّن المواطن المحتاج إلى السكن ولديه مشروع بناء فعلي من الحصول على مواد بناء بأسعار أقل.
هذه الإجراءات المقترحة ما هي إلا أمثلة لما يمكن القيام به لمواجهة إضرار الغلاء بقطاع الإسكان وتخفيف حدته عن الناس الذين هم في أمس الحاجة إلى بيوت تؤويهم وتعفيهم عن إهدار دخولهم في إيجارات ليس لها من عائد ومردود, فإن كان السكن حلما لكل مواطن, وهو حلم مشروع, فإن هذا الحلم يتبخر بفعل حرارة هذا الغلاء المفرط في مواد البناء من حديد التسليح إلى المسامير.