اختلفوا في أوطانهم .. واتفقوا في المشاعر على الدعاء بقلب واحد
أجمل ما يمكن أن يتخيل المتابع للأحداث السياسية التي تجري على سطح العالم العربي، أن يشاهد ضدين مختلفين في توجههما السياسي وهما يتجاذبان الحديث حول مسألة دينية قبل أن يتعانقا ويدعوان لبعضهما ببر الحج.
في منى بوسعك أن تشاهد مثل هذه المناظر، فالرقعة الصغيرة التي تفتح صدرها الآن لاحتضان مليونين ونصف مليون حاج، مليئة بالمختلفين سياسياً، والمتفقين على أن الحج قد يشكل لهم فرصة أخرى نحو رصف صفوفهم من خلال الدعاء للمولى بذلك.
وبجولة بسيطة على بعض المخيمات التي تحوي هؤلاء، خاصة مخيمات لبنان وفلسطين والعراق والسودان، تستطيع أن تكون مشهدا رائعاً عن عمق الأخوة والروابط التي تتحرك في شبر من الوفاق المحيط بهم في المشاعر المقدسة.
المخيم الفلسطيني بدأ هادئاً، ومنسقاً أكثر في الأصوات الخارجة منه، فهناك من كان يقرأ القرآن وبصوت مجود، وآخر كان يدعو بتأثر شديد، واثنان أحدهما مؤمن بحركة فتح ويدعى عباس والآخر جميل وهو من غزة كان يتبادلان الضحكات ويتحدثان عن كيف سيغير لقب"الحاج"في حياتيهما.
عباس القادم من نابلس يعتقد أن حركة فتح بوسعها أن تمنح الفلسطينيين الكثير من الأمان والاستقرار، لكنه كان شديد التودد وهو يتحدث إلى مواطنه جميل الذي يؤمن بحركة أخرى داخل فلسطين .
يقول عباس"نحن هنا من أجل الحج، ولا مكان للسياسة في أحاديثنا، نحن نتحدث عن الحج وكيف نقضي شعائره، ونؤمن أيضا خلف كل دعاء بأن ينصر الله الشعب الفلسطيني، وأن يقيه الشرور، ويقيض له من يقوده إلى بر الأمان والسلام".
ويضيف"ربما نكون مختلفين فعلاً في توجهاتنا السياسية، لكننا اليوم متفقون جداً تجاه قدسية هذه الشعيرة، التي تحثنا على عدم الرفث والجدل، ثم إننا في النهاية نظل إخواناً في الدين قبل الوطن وقبل الاعتقاد ببرنامج حركة أو حزب ما".
ويتابع الفلسطيني الذي كانت تملأ مساحة وجهه علامات السعادة"التعامل هنا على أساس أننا مسلمون، أتينا لهدف واحد وهو تلبية نداء الله بالحج، ثم أيضا ستجد أننا نتمتع بروابط أسرية واجتماعية قوية قبل النظر إلى توجهاتنا السياسية".
ذات الحديث والمشاعر، لم تكن مختلفة في المخيمات الأخرى، فالسودانيون كانوا الأقل من بين اقرانهم في فلسطين ولبنان والعراق في التحدث إلينا، شكروا الحكومة السعودية على ما قدمته لهم، فيما طالب عدد منهم بنشر أسمائهم حتى يطمئن أهاليهم عليهم.
أيضا في المخيمين اللبناني والعراقي، لم يكونوا يرغبون كثيراً في التطرق لأمورهم السياسية هناك، بدوا متوجهين إلى الله أكثر من أي شيء آخر، قالوا لنا إنهم ابتهلوا الله كثيرا تجاه أوطانهم بأن يحفظها ويحفظ أهلها ويبعد عنها كل ما هو مكدر لصفو العيش فيها.
وتشهد المنطقة العربية منذ بدايات القرن الجديد أحداثا ساخنة خاصة في بعض الدول كالعراق وفلسطين ولبنان، ما جعل هذه الدول وشعوبها ترزح تحت وطأة التوترات الدائمة، وتقتات عدم الاستقرار في مجالات مختلفة ومتعددة.