ذكرى الجريمة وهاجس النهاية (2)
كان ومازال توقع زوال ونهاية كيان العدو الإسرائيلي الغاصب لأرض فلسطين العربية المسلمة متداولا ومتواترا، خصوصا في السنوات الأخيرة، واستند في ذلك إلى ما جاء في سورة "الإسراء" من أن اليهود سوف يفسدون في الأرض ويعلون علوا كبيرا لمرتين، وأن نهايتهم ستكون بعد الإفساد الثاني، والذي يرى البعض أنه الجاري حاليا، مستشهدين بما يرتكبه كيان العدو من جرائم فظيعة ضد الفلسطينيين، وتحكم اللوبي الصهيوني في القرار الدولي وسيطرته على سياسات الدول النافذة في العالم "العلو"، ولا نريد هنا فقد الاستناد إلى حقيقة نهاية وزوال هذا الكيان على ما جاء في القرآن الكريم فقط، فإيماننا وتصديقنا بما أخبر به الله سبحانه وتعالى قاطع ونحتفظ به لأنفسنا كحقيقة ربانية نؤمن بها، ولكن نريد الاستدلال على حقيقة أن زوال هذا الكيان مؤكدة بناء على أدلة منطقية وعقلية، إلا أن علينا إدراك أن نهايتهم وزوال كيانهم محكوم بظرف علوهم وتجبرهم وعدوانيتهم، الذي حذرهم منه الله ـ سبحانه وتعالى، كما جاء في سورة "الإسراء"، وهو الحادث اليوم من جهة، ومن جهة أخرى على توافر ظروف وشروط زواله كضعفه واستعادتنا قوتنا، وهو ما يتطلب أن يستمر صمودنا في وجهه وعدم اليأس والعمل الجاد على تعديل ميزان القوة المادية لصالحنا، إلى جانب القوة المعنوية المتوافرة لدينا فعلا ممثلة برفضه ولفظه حتى اليوم، وإفشال كل خطط السلام المزعوم والتطبيع الموهوم، وصمود إخوتنا في فلسطين، الذين كان يسميهم أبو عمار، رحمه الله، شعب الجبارين هو قاعدة قوتنا المعنوية، التي ستبنى عليها القوة المادية ـ بإذن الله.
هاجس نهاية كيان العدو عبر عنه العديد من الصهاينة، وهناك طائفة يهودية تؤمن بأن دولة إسرائيل الحالية ستدمر لأنها قامت مخالفة لأمر الرب، على اعتبار أن دولة إسرائيل الحقيقية والشرعية هي التي سيقيمها السيد المسيح بعد نزوله، وقد تكون هذه مجرد تخاريف دينية كأساطيرهم المزعومة، ولكن ما هو ليس بتخاريف ولا أساطير ما يراه عتاولة الصهاينة واليهود حول مستقبل هذا الكيان المصنع، فمع انتفاضة الأقصى نشرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية في 2 نيسان (أبريل) عام 2002 على غلافها صورة لنجمة داوود وداخلها سؤال هو "مستقبل إسرائيل: كيف سيتسنى لها البقاء..؟ هل ستبقى الدولة اليهودية على قيد الحياة..؟ وبأي ثمن وبأي هوية..؟"، وهذا التشاؤم عكسه المثقف الإسرائيلي يعيل يازمبلماد في جريدة "معاريف" الإسرائيلية عام 2001 بقوله "أحاول دائما أن أبعد عني هذه الفكرة المزعجة، ولكنها تطل في كل مرة وتظهر من جديد، هل يمكن أن تكون نهاية الدولة كنهاية الحركة الكيبوتسية..؟ ثمة أوجه شبه كثيرة بين المجريات التي أثرت في الكيبوتسات قبل أن تحتضر أو تموت، وما يجري في الآونة الأخيرة للدولة"، بل إن إبراهام بورج الذي كان رئيسا للكنيست أكثر صراحة حيال مستقبل هذا الكيان، حين صرح لجريدة "يديعوت أحرونوت" عام 2003 قائلا "إن نهاية المشروع الصهيوني على عتبات أبوابنا، وهناك فرصة حقيقية لأن يكون جيلنا آخر جيل صهيوني"، وفي الجريدة نفسها تحدث المفكر الصهيوني يرون لندن عن شعور كثير من الإسرائيليين بالشك في بقاء دولة إسرائيل مستقبلا.
هذه مجرد عيّنة تعكس شعور اليهود ذاتهم باستحالة استمرار وجود دولتهم اليهودية بالشكل الذي قامت به وعليه، لإدراكهم أنها تعيش بعملية تنفس صناعي مستمرة بالدعم الخارجي السياسي والاقتصادي، وهو ما أوجد شعورا دائما بالحاجة الملحة إلى حليف خارجي قوي يقف خلفها، وتأصل الهاجس الأمني الذي يسود العقلية اليهودية ويسيطر عليها، والترويج دائما بأن وجودها مهدد، وقد يكون ذلك جزءا من استراتيجية كسب العطف العالمي عليهم، ولتغطية ما يرتكبونه من جرائم ضد الفلسطينيين وتبرير ما يشنونه من حروب ضد العرب على أنه دفاع عن النفس، إلا أن الحقيقة أن هذا الكيان برغم مظاهر قوته لا يتحمل أن يتعرض لهزيمة واحدة، ولهذا نراه دائما ينقل حروبه إلى خارج حدوده، كما أن بقاءه مرهون باستمرار قوته، وهو أمر مستحيل لكون موازين القوى تتغير وتتبدل بين فترة تاريخية وأخرى، وإلا لما انهارت الإمبراطوريات السابقة، ويكفي القول هنا إنه وبعد 60 عاما مازال هذا الكيان في حالة حرب مستمرة ومتواصلة، وهذه جميعا عناصر مساعدة لزواله، وليس علينا فقط انتظاره، بل العمل لتوفير ظروفه، فالصهيونية لم تجلس تنتظر وعد الرب لها، بل عملت وحشدت كل قواها من أجله.