العالم بين أزمتين
تكالبت على العالم منذ أكثر من عام أزمتان خانقتان، أولاهما ارتفاع أسعار النفط وثانيتهما غلاء المواد الغذائية، وكلتاهما مما لا يستغنى عنه، فالنفط هو محرك عصب الحركة ومغذي طاقة العالم، والغذاء يكفي القول إنه قوت الناس جميعا، وعلى الرغم من أن النفط إحدى الأزمتين، إلا أنه المتهم بأنه المتسبب في نشوء وظهور الأزمة الثانية، فالأصابع اتجهت ومازالت تتجه للنفط كون ارتفاع أسعاره بهذه الحدة تسبب في رفع أسعار بقية السلع والخدمات لأن تشغيل الميكنة يعتمد على النفط وهو ما قاد العالم لأزمة أسعار خانقة بسبب زيادة تكلفة إنتاج كل شيء.
السؤال الآن: هل أزمة ارتفاع الأسعار وخاصة أسعار النفط هي أزمة طارئة أم دائمة..؟ والسؤال الآخر هو: هل العالم بفكره الاقتصادي الحالي القائم على نظام سوق تتحرك فيه الأسعار وفق قاعدة العرض والطلب وليس وفق تكلفة الإنتاج وأساليب سياسية ملتوية، قادر وراغب فعلا في معالجة أزمة كهذه..؟ أتصور أن خطر أزمة الغلاء ليس في ارتفاع أسعار النفط، فارتفاعه يمكن أن يعالج وبما يسمح بخفض أسعاره عن طريق الحد من استهلاكه المفرط، خصوصا في دولة كالولايات المتحدة الأكثر نهما لاستهلاك النفط مثلا، ولكن المشكلة في آليات السوق التي تسمح بجعل سلع أساسية كالنفط والغذاء سلعا للمضاربات التجارية.
المسؤولية عن ارتفاع أسعار النفط، هذا الارتفاع الكبير وفي مدة وجيزة، تقاذفتها الدول المنتجة والمستهلكة فيما بينها، فالأولى تحمل الدول المستهلكة المسؤولية لأنها تفرط في الاستهلاك بلا حساب، ولمضاربات سوق النفط الذي تتحكم فيه شركاته العالمية الكبرى وجميعها محسوبة على الدول الصناعية المستهلكة الرئيسية، والضرائب العالية التي تفرضها، خاصة الدول الغربية على النفط والتي تصل إلى 60 في المائة، والثانية ترى بأن الدول المنتجة، وخاصة دول منظمة أوبك ليست متحمسة لزيادة الإنتاج لتغطية حاجة السوق ومتهمة إياها بأنها المستفيد الأول والأكبر من هذا الارتفاع في الأسعار، إلا أن للدول المنتجة وجهة نظر في ذلك، فهي ترى أن المعروض يكفي ويغطي حاجة السوق من ناحية، ومن ناحية أخرى أن ليس لدى كثير منها القدرة والإمكانية التقنية لضخ مزيد من النفط، وأن ضخ كميات إضافية في سوق لا يعاني نقص الإمدادات هو إجراء عشوائي قد يؤدي إلى انهيار سريع في الأسعار، ومثلما هو الارتفاع السريع والكبير له أضراره، فإن هبوطه السريع والكبير أيضا له نفس الأضرار.
من أجل حل هذه الإشكالية جاءت دعوة المملكة بحكم مسؤوليتها، كونها أكبر منتج للنفط في العالم والدولة الأكثر تأثيرا في السوق لعقد اجتماع عاجل يجمع كل ذوي الصلة لوضع خطة مشتركة لمعالجة هذا الخلل الذي أصاب السوق النفطية، والذي كانت له تداعيات سلبية على مجمل الاقتصاد العالمي، وهذا الاجتماع العالمي الموسع فرصة جدية لمعالجة لا ضرر فيها ولا ضرار، وبما يؤمن استقرارا لسوق النفط يخدم جميع الدول المنتجة والمستهلكة معا، خصوصا وقد ثبت من تداعيات هذه الأزمة النفطية، أن البترول سلعة لا يجوز أبدا أن تخضع للمضاربة التجارية البحتة، ومن هذه الرؤية يجب أن تناقش القضية، وأن يبدأ من الضريبة المبالغ فيها في الغرب، والتي ترفع السعر على المستهلك هناك ومنظمة أوبك بريئة منه، والظن أن هذا الموضوع حيوي وأساسي في معالجة ليس فقط قضية الأسعار، بل قضية الاقتصاد العالمي برمته في عهد عولمة قد تحول العالم إلى غاب، الكبير يأكل فيه الصغير.