سوق الأسهم .. تجارة أم تسلية؟
أجزم بأن كثيرا من المشتغلين بسوق الأسهم، خصوصا بعد أن أصبح التعامل فيها سهلا وميسرا من خلال الإنترنت، والواحد منا جالس في بيته أو مكتبه، يفعلون ذلك من باب التسلية أكثر مما هو متاجرة محسوبة ومدروسة، فسهولة البيع والشراء من خلال البوابة الإلكترونية دفع غالبية المتعاملين في السوق وهم مَن يطلق عليهم "صغار" المساهمين لأخذ الأمر ببساطة متناهية ونوايا حسنة للغاية، ويقومون بالخوض في بحر السوق بأمواجه المتلاطمة كالأسماك الصغيرة التي تظن أن أعماقه آمنة، بينما تحيط بهم من كل جانب هوامير سوق متمرسون هم القابضون على مفاتيحه والقادرون على نصب شباكهم لصغار المساهمين، فيرفعون السوق تارة ويهبطون بها تارة أخرى، والبقية يا غافل لك الله.
لو سألت كثيرا ممن "يطب" في سوق الأسهم عن الآلية التي يتعامل بها فيها وعلى ماذا يبني عمليات الشراء والبيع لوجدت أدواتهم الوحيدة هي الحدس والمشورة فقط، ولا تجد منهم إلا قلة قليلة تعرف المقاييس والمؤشرات العلمية التي تدل على مناطق البيع والشراء، وحتى هذه نجاحها محدود وضيق في سوقنا بالتحديد، لأن التعامل فيها يقوم على الشطارة المدعومة برأسمال قادر على التأثير فيه، وتتحكم فيه الأهواء وتصادم الكتل الضخمة مع سياسات وقرارات هيئة سوق المال، والضحية في آخر الأمر هم صغار المساهمين الذين يدفعون ثمن غياب الشفافية من ناحية، وصراع جبابرة السوق من ناحية أخرى.
مشكلة كثير من صغار المتعاملين في سوق الأسهم، كما قلنا، أنهم يأخذون الأمر بكثير من التبسيط، فلا يدركون ما يجري تحت السطح من خلخلات وصراعات فيفاجأون بانهيار سريع غير متوقع يشفط معظم رأسمالهم، ويقفون حيارى لعدم فهم ما حدث ويحدث، وما يحدث في السوق هو العجب العجاب وأشبه ما يكون بممارسة لعبة كرة القدم في الحارة، حيث التفوق يعتمد على معايير القوة والخشونة وليس الفنيات.
الغريب أن سوقنا، على الرغم من صلابتها الاقتصادية وحجم أرباح شركاتها وعلى رأسها البنوك، تتدهور وتخسر ويخسر معها الغافلون ممن دخلوها للتسلية وهم يظنون أنهم يتاجرون غير مدركين أن هناك من يتلاعب بهم من وراء الستار، فسوقنا رغم صلابتها وقوتها واستقرارها تهتز بعنف وتتهاوى وكأنها قش إذا ما اتخذ إجراء ما لا علاقة له بصلب عملها تماما، كما حدث أخيرا حين هبطت السوق بما يذكرنا بما حدث سابقا، كل ذلك يحدث والغافلون من ضحايا السوق لا يدركون قواعد اللعب فيها، أو بالأصح لا يملكون أدواتها، ومع ذلك لا يتعلمون وتغريهم التسلية عن إدراك اللعبة بين كبار "هوامير" السوق وهيئة سوق المال وما يجري بينهما من صراعات وكر وفر.
ما بين التسلية والمتاجرة في سوق الأسهم وما يجري فيها من صراعات خفية، يبقى ضحاياها من صغار المتعاملين فيها هم أدوات اللعبة الذين يدفعون ويتحملون الخسارة وحدهم، ففي الوقت الذي يندفعون فيه على أمل جني مكاسب مشروعة بحر مالهم وحلالهم، يجدون أنفسهم مادة تسلية لـ "الهوامير" اللاعبين في الخفاء. وكشف ذلك ردة فعل كبار المتاجرين حين قررت هيئة سوق المال إعلان أسماء من يملكون 5 في المائة أسبوعيا، فلو أن الأمور سليمة وتعاملات السوق صحية وقانونية ومشروعة لما خشوا من ذلك أو وجدوا فيه ما يحرج أو يخجل.