حرب القوقاز: مَن الرابح ومَن الخاسر؟

[email protected]

باعتراف روسيا وبإقامتها علاقات دبلوماسية مع كل من أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وبإعلانها خطة انسحاب من الأراضي الجورجية؛ فإن عمليات حرب القوقاز تعتبر منتهية. والسؤال هنا هو: مَن الرابح ومَن الخاسر في تلك الحرب؟
قد تكون هناك بعض المكاسب بالنسبة لروسيا؛ التي يأتي في مقدمتها تمكنها من حماية مجالها الحيوي، خصوصاً أنها بتلك الحرب قد أعاقت انضمام جورجيا إلى حلف الناتو في الفترة الحالية على الأقل. كذلك فإن روسيا قد أوجدت لنفسها منفذاً إضافياً جديداً على البحر الأسود من خلال علاقتها وربما سيطرتها لاحقاً على أبخازيا. يضاف إلى هذا أن القوات الروسية قد حسمت العمليات العسكرية لصالحها، محققة بذلك انتصاراً عسكرياً، وليس بالضرورة سياسيا.
في المقابل، قد تكون خسائر موسكو أكثر من مكاسبها. فكما ذكر الدكتور جوزيف ناي - في مقالته التي نشرت أخيراً في "الاقتصادية" فإن روسيا خسرت في تلك العمليات الكثير من قوتها الناعمة. كذلك هناك تأثير سلبي في الاتحاد الروسي جرّاء مساندته انفصال واستقلال كل من أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا؛ بل إن موقف روسيا هنا متناقض مع موقفها من جمهورياتها الانفصالية. فالمعروف أن روسيا تعاني هذه المشكلة بشكل كبير؛ وما وضع الشيشان وغيره من الأقاليم الروسية المطالبة بالاستقلال إلا دليل واضح على هذه المعاناة. بجانب هذا، فإن مساندة روسيا لاستقلال أوسيتيا الجنوبية بالذات تزيد هذا الموقف تعقيداً. فلا ننسى أن جميع أراضي أوسيتيا الشمالية تقع داخل الاتحاد الروسي، وأن استقلال أوسيتيا الجنوبية قد يجعل من الأخيرة قاعدة انطلاق لاستقلال الأولى؛ إلا إذا كانت نيّات موسكو تقوم على ضم أوسيتيا الجنوبية، كما يقول الجورجيون.
قد يرى البعض أن هناك بعض المكاسب لجورجيا، مثل مساندة الغرب لها مالياً، ومثل تعاطف وتأييد الرأي العام العالمي لها، خصوصاً أنها تشكل الحلقة الأضعف في تلك الحرب، إلا أن خسائر جورجيا كبيرة؛ فمع خسارة إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الانفصاليين، فإن القوات الجورجية قد هزمت شر هزيمة. وبهذا تكون جورجيا قد أُضعفت بشكل كبير. بجانب هذا فإن الرئيس الجورجي، ميخائيل سيكاشفيلي، قد خسر الكثير جرّاء هذه الحرب. لقد حطم أهم أهدافه التي أعلن عندما أتي إلى السلطة عام 2004، والمتمثل في توحيد وتقوية جورجيا ببسط سيادتها الكاملة على الأقاليم الانفصالية. في الوقت نفسه تهمش هدفه المتمثل في انضمام جورجيا إلى حلف الناتو وإلى التنظيمات الأوربية، خصوصا أن هناك أصواتاً تعالت في أوروبا أخيراً مرددة أنه لو كانت جورجيا عضواً في الناتو - أو في الاتحاد الأوروبي- لأصبحت كل أوروبا -اليوم- في مواجهة حقيقية مع روسيا. وأخيرا، فإن كشف نيّات موسكو بإسقاط الرئيس سيكاشفيلي يجعل مستقبل حكمه في مهب الريح.
وعلى الرغم من وجود بعض المكاسب – ولا سيما لروسيا – إلا أن مجمل الخسائر يفوق أرباح كلا الطرفين؛ وكما قال أحد علماء السياسة: "في الحرب لا يوجد رابحون، الكل خسران ولكن بدرجات متفاوتة من الخسارة".

رئيس قسم الدراسات العامة وأستاذ العلوم السياسية المساعد
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي