هل تعتبر السيارة المفحوصة آمنة وسليمة؟
تعد السيارة من أكثر السلع التي يحرص المستهلك أشد الحرص على اقتناء أفضلها بما يتناسب مع ميزانيته، ويحاول قدر ما يستطيع أن يكون متيقظاً حذراً عند شرائها وخاصة إذا كانت مستعملة، ومن أول الأمور التي يسأل عنها المشتري عند رغبته في شراء سيارة معينة السؤال عن تجديد استمارتها وحصولها على شهادة الفحص الدوري، لكن السؤال هنا: هل خضوع السيارة المراد شراؤها للفحص الدوري ولو قبل يوم أو يومين أو حتى في اليوم نفسه يعتبر شهادة أمان موثوقة وأكيدة لهذه السيارة؟
يجيب محمد المحمد – موظف في أحد معارض السيارات – عن هذا التساؤل قائلاً: "يجب أن يعي الزبون أن الفحص الدوري لا يعني أن السيارة سليمة؛ حيث إن كثيرا منها يكون قد تم التلاعب فيها من أجل إنجاحها في الفحص الدوري بطريقة غير نظامية".
إدارة الفحص الدوري لا تنكر وقوع هذه التجاوزات ويقول عبد الكريم بن يوسف الحميد مدير العلاقات العامة في الإدارة العامة للفحص الدوري: " إننا نعاني بصورة شبه يومية ممن يمارس هذه الممارسات الخطرة"، ويضيف: "وبالمناسبة معظم محطات الفحص تقريبا التي تنتشر في 22 مدينة ومحافظة تعاني من تلك الممارسات وليست قاصرة على الرياض أو جدة أو الدمام".
محمد بن حمزة الحمزة رئيس معارض سيارات القادسية ومدير مكتب رئيس معارض السيارات في النسيم يؤكد بدوره وجود كثير من حالات التلاعب بالسيارات من أجل إنجاحها في الفحص الدوري، ويقول: "هذا التلاعب لا شك موجود وأتتنا حالات ومشاكل كثيرة بسببه، وحضر عندي كثير من المواطنين يشتكون ويقولون إنهم اشتروا السيارة بحالة جيدة لكنها اختلفت عليهم عند استلامها"
ويضيف: "للأسف في كثير من الأحيان لا يوجد لدى المواطن أي إثبات لهذا التلاعب الذي وقع ضحية له، الشيء الوحيد الذي نكتشفه بسهولة هو عداد الكيلو مترات حيث تجد بعض السيارات تشير قراءة عدادها إلى مسافات قليلة بينما حالة السيارة تدل دلالة واضحة على سيرها بأكثر من ذلك بكثير"
طرق التلاعب
تتنوع طرق التلاعب في السيارة المراد فحصها بشكل كبير، ويتفنن المتلاعبون في ابتكار الوسائل التي تخفي أماكن الخلل في السيارة، ويكشف عبد الكريم الحميد النقاب عن بعض الحيل التي اطلع عليها من خلال عمله في إدارة الفحص الدوري فيقول: "بعض العاملين في الورش المحيطة بمقر الفحص الدوري يطلب من صاحب المركبة أن يفحص سيارته في المسار رقم "كذا" موهماً إياه بأنه على علاقة بالفني المشرف على المسار نفسه والمراجع بدوره يذهب للمسار المعين فإذا نجح واجتاز الفحص استغل العامل المخادع هذا الوضع بزيادة الأجر لأضعاف كثيرة، وإذا فشل فإنه يتخفى ويهرب, ومن الورش ما تقوم بتأجير الإطارات أو بعض قطع الغيار فهناك أشخاص مهمتهم "تأجير" الإطارات.. وغالباً ما تستخدم هذه الحيلة من أصحاب الشاحنات الكبيرة لأن قيمة إطارها تتجاوز الألفي ريال .. وقيمة التأجير لا تتعدى 20 أو 50 ريالا للإطار الواحد. ومنهم من يقوم بوضع صمغ في فحمات الفرامل بهدف اجتياز الفحص. ومن الممارسات الخطرة التلاعب في ضبط غاز العادم, حيث إن عادم السيارة سام ويؤثر بقوة على صحة الإنسان وهو يعتبر أكثر خطورة على الصحة من تناول الأغذية الملوثة، والغاز المنبعث من معظم السيارات يحتوي على أربعة أنواع من السموم الخطيرة في مقدمتها غاز أول أوكسيد الكربون عديم الرائحة واللون. ومن أساليبهم كذلك قيامهم بإغلاق "البلوف" حتى لا يخرج دخان ساعة الفحص. وتوجد حالات من التلاعب في "أهواز الديلكو" و"الكربوريتر", وسحب أحد البواجي لتقليل نسبة احتراق البنزين, لتخفيض نسبة الكربون. وبعض المتلاعبين يقومون بتنظيف العادم "الشكمان" الذي تحول إلى أسود. فيدخلون فيه "خيشة" مبللة بالماء ليتحول إلى أبيض لامع ثم يضعون "خيشة" أخرى مبللة بالماء وسط العادم "الكنداسة" لتخفيف نسبة الكربون الخارج منها".
ويضيف محمد المحمد بعض طرق التلاعب الأخرى فيقول: "إضافة إلى قيام بعض الورش بتأجير أي قطعة ممكنة من السيارة يقوم بعض المتلاعبين بتغسيل المساعد من بقايا الزيوت ورشه بدهان أسود حتى يظهر بمظهر الجديد".
خطورة التلاعب
ويعرض محمد المحمد نوعاً آخر من التلاعب أدى في النهاية إلى حوادث قاتلة يقول محمد: "من الأعطال التي قد تصيب الدودة الخاصة بمقود السيارة وجود "فضاوة" فيها وهذا العطل يؤدي إلى رسوب السيارة في الفحص الدوري، ومن أجل تجاوز الفحص يقوم المتلاعب بحشو الدودة بالشحم بحيث تمنع إصدار الصوت الدال على تلفها، هذا العمل أدى في بعض الأحيان إلى انفصال الدودة وبالتالي يفقد السائق السيطرة على السيارة حيث يبطل عمل المقود وبالتالي حصلت عدة حوادث بهذا السبب، والأمر نفسه يحدث في الركب، ومن طرق التلاعب الخطرة: يقوم البعض بدلا من تغيير ذراع السيارة بكبسه فقط بمبلغ زهيد في المخرطة – قيمة الذراع 60 ريالاً ويكبسه بخمسة – وكبس الذراع هو مجرد إصلاح مؤقت يعود بعد شهر على الأكثر يكون المتلاعب خلال هذه المدة قد باع السيارة لشخص لم ينتبه لهذا العمل، وكذلك يتم كبس الركب بالطريقة نفسها".
توجيه اتهامات
بعد التأكيدات السابقة على وجود هذه التلاعبات. ترى .. هل هناك فئات معينة تدخل في دائرة الاتهام؟ عبد الكريم الحميد يوجه الاتهام إلى بعض الورش غير الملتزمة التي يشرف عليها بعض من ذوي النفوس الضعيفة والعمالة السائبة التي تسعى إلى التقليل من تكاليف فحص السيارات بأساليب ضارة جداً لقائد المركبة وللآخرين. أما محمد الحمزة فيرى أن الأمر لا يختص بفئة معينة ويؤكد أنه اطلع على كثير من المشاكل من خلال عمله رئيسا لمعارض القادسية وأطراف هذه المشاكل لا ينتمون لفئة بحد ذاتها.
ويوجه محمد المحمد أصابع الاتهام إلى بعض مكاتب الخدمات العامة الموجودة في معارض السيارات فيقول: "هناك مكاتب في المعارض تحضر لهم السيارة ويقوم العامل فيها بتجريبها ثم يقول لك: نحن نفحصها لك وليس لك إلا أن يكون "الستيكر" على الزجاج مع ورقة فحص.. كيف؟ لا تسأل.. المهم أن تنجح السيارة في الفحص، وأحيانا تبيع سيارتك وقد انتهى فحصها وبعد أن يشترط المشتري قيامك بفحص السيارة يأتي موظف في المعرض ويتفحص السيارة ويقول لك: نحن سنخصم 500 ريال من قيمة السيارة ونحن نتولى الفحص واحتمال ألا يكلفه الفحص الدوري أكثر من 200 ريال مع التصليح، وهكذا أخذ هذا الأمر على أنه باب للاسترزاق، قد يقوم موظف المعرض بعد ذلك باستبدال ما تحتاج إليه سيارتك بقطع من سيارة مماثلة موجودة في المعرض نفسه أو يستأجر القطع اللازمة من ورش أخرى حيث إن كثيراً منهم عقد اتفاقيات مسبقة مع ورش ليستأجر منها ما يحتاج إليه من قطع".
جهود في محاربة التلاعب
يقول عبد الكريم الحميد متحدثاً عن جهود إدارة الفحص الدوري في محاربة هذا التلاعب: "حرصا منا على أن تتحقق الأهداف المرجوة من برنامج الفحص الفني الدوري للسيارات بالمستوى المرتجى وإيصال هذه الرسالة إلى أصحاب المركبات وسائقيها ومن أجل الحفاظ على أرواح المواطنين والمقيمين, قمنا بإعداد نشرات إرشادية مختصرة نحض فيها أصحاب السيارات على عدم التعامل مع العمال الذين يقومون بتأجير الإطارات وقطع غيار السيارات الأخرى, موضحين المخاطر التي تنجم عن تأجير قطع الغيار بغرض اجتياز الفحص.
كما قامت الإدارة العامة للفحص الفني الدوري بالتعاون مع أقسام المرور في المحطات بعقد عدة اجتماعات مع أصحاب ومشرفي تلك الورش للاتفاق على تقديم خدمات أفضل للمراجعين، ومنها التأكيد على الالتزام التام بعدم التحايل من خلال تأجير بعض قطع غيار السيارات أو إجراء إصلاحات غير فنية ومهنية وعند معرفة أو ملاحظة الفحص قيام أي ورشة بالتحايل يتم إخطار قسم المرور بذلك ليقوم بعمل اللازم".
أما رئيس معرض القادسية محمد الحمزة فيتحدث عن هذه الجهود قائلاً: "يقتصر دورنا على توصيل المعلومة للمسؤول وأعتقد أن المسؤول حالياً على اطلاع بأمور كثيرة ولكن أتمنى فقط سرعة التنفيذ لأن الوقت ضدنا".
كيف يتم اكتشاف التلاعب؟
بعد تطور حيل المتلاعبين في السيارات هل تطورت أساليب كشف هذا التلاعب؟ يقول عبد الكريم الحميد: "هناك أمور ظاهرة كوضع مادة الغراء على أقمشة الفرامل أو بعض الحيل التي تكتشف بسهولة كرفع سرعة دورات المحرك أو سحب لي الهواء لإنجاح السيارة في فحص الكربون أما الحيل الأخرى مثل طلاء الوصلات الكروية للأذرع مثلا وملئها بالشحم فقد طورنا عمليات الفحص بجهاز جديد لفحص حالات الوصلات الكروية وأجهزة التوجيه آليا وهذه أجهزة حديثة تم تأمينها, إضافة إلى الأجهزة السابقة, حيث إن الأجهزة التي تم تأمينها حديثا هي طفرة جديدة في تقنية فحص المركبات".
أما عن قدرات شيخ المعارض ومعاونيه على كشف التلاعب في السيارات التي يشتكي منها بعض الزبائن فيقول محمد الحمزة: "ميدانيا نحن كخبراء في السوق نكتشف كثيرا من التلاعبات بحكم الخبرة، كما نستطيع اكتشاف التلاعب في عداد السيارة من خلال حالتها، لكن أقول بكل صراحة هناك كثير من الألاعيب متقنة إلى درجة عالية لا يمكننا من خلالها اكتشاف التلاعب، خصوصاً أننا لم نعاين السيارة لحظة بيعها للزبون الذي يشتكي من تغيرها".
ومن أجل القضاء على التلاعب في عدادات السيارات يقترح محمد الحمزة على الإدارة العامة تدوين رقم عداد السيارة بالحاسب الآلي عن طريق معارض السيارات وبالتالي يقوم المرور على مسؤولية المعرض بتدوينه ومراقبته من خلال الحاسب الآلي عندما يعرف المتلاعب بهذا الإجراء لن يجرؤ على التلاعب ".
أما محمد المحمد فيقول إن من أبسط الأساليب في كشف التلاعب في عداد السيارة مراجعة الأوراق القديمة لفحصها الدوري والتأكد من المسافة المسجلة للعداد ومقارنتها بالقراءة الحالية. ويقول محمد: "من الغريب أنك تجد سيارة يشير عدادها إلى 70 ألفاً بينما أوراق الفحص تقول إن العداد يشير إلى 170 ألفا وهذا الأمر ليس من قبيل الخيال فقد رأيته بعيني"
نصائح للمستهلك
وينصح عبد الكريم الحميد مدير العلاقات العامة في الفحص الدوري كل متلاعب بالسيارة قبل إخضاعها للفحص الدوري بالابتعاد كل البعد عن هذه الممارسات؛ لأن المراجع سيكون المتضرر الوحيد في حال حدوث حادث لا سمح الله, ويؤكد الحميد أن الفحص الدوري ليس ملصقا أو روتينا فقط بل هدفه أجل وأسمى من ذلك. وللمحافظة على سلامة المركبة دور كبير – بعد لطف الله - في الحفاظ على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة. ويضيف الحميد: "من أهم أهداف الفحص الدوري وفوائده: التقليل من الحوادث المرورية وكذلك من درجة خطورتها، وإطالة عمر السيارة من خلال تحديد الخلل الموجود فيها وكذلك تحديد الأعطال الوشيكة الحدوث، وتخفيض مستويات التلوث الناتجة من عوادم السيارات".
أما محمد الحمزة فينصح كل مقدم على شراء سيارة ألا يشتريها إلا إذا كانت مفحوصة، حيث إنه من الممكن أن يكون في السيارة عطل فني كبير يكتشفه الفحص الدوري قبل إقدامه على الشراء، وينصح الحمزة في الوقت نفسه كل بائع ألا يبيع سيارته إلا مفحوصة مجددة، لأن البائع – كما يقول الحمزة – سيضطر في هذه الحالة إلى تسليم سيارته للمعرض دون نقل ملكيتها وهذا يؤدي إلى أن المشتري قد يستعملها بل من الممكن أن يأخذها عامل المعرض ويستخدمها لأغراضه الشخصية. ويضيف الحمزة: " خذ مني أمثلة حية: حصل أن سرقت السيارة من عامل المعرض بعد أن أخرجها من المعرض دون إذن لاستخدامه الشخصي .. من يتحملها؟ يجب على أصحاب المعارض والبائع والمشتري الحرص الشديد في هذه الأمور".
في حالة رغبة المشتري في شراء سيارة غير مفحوصة ما التصرف الصحيح الذي يجب أن يقوم به المشتري: هل يقوم بفحصها بنفسه؟ أم يصر على إلزام البائع أو المعرض بالفحص؟ يقول محمد المحمد مجيباً عن هذا السؤال: "على المشتري ألا يسلم السيارة للبائع لفحصها فهو غالباً ما يمتنع عن ذلك وحتى المعرض من الأفضل ألا يسلمها له. على المشتري أن يفحص السيارة بنفسه حتى يقوم باختيار القطع الأصلية التي يحتاج إليها والإشراف شخصياً على عملية إصلاحها وهذا أفضل بكثير من التعرض لحادث - لا سمح الله - بسبب ما يقوم به بعض المتلاعبين، وأفضل كذلك من إضاعة وقته في المستقبل نتيجة الأعطال التي ستظهر له بعد فترة نتيجة التلاعب".