طوارئ مستشفيات الرياض تحذر من الأغطية المعدنية لبعض المشروبات
يحرص الكثير من الأشخاص على تناول المشروبات ذات العلب المعدنية بأنواعها كافة، والحديث هنا ليس عن الآثار السلبية لبعض هذه المشروبات، فقد أشبع هذا الأمر دراسة وتمحيصاً، إنما الحديث عن أخطار أغطية العلب المعدنية التي يتساهل الكثير من الناس في رميها هنا وهناك غير مدركين لما تحويه هذه الأغطية الصغيرة من مخاطر.
وتتجلى هذه المخاطر في ثلاثة أمور: جروح في اليدين ناتجة عن فتح العبوات بطريقة خاطئة، وجروح في القدمين بسبب رمي هذه الأغطية ذات الأطراف الحادة في غير الأماكن المخصصة لها، وثالث هذه الأمور وأخطرها: ابتلاع هذه الأغطية.
الدكتور محمد الأشعري إخصائي جراحة الأطفال بقسم الطوارئ في مستشفى اليمامة يؤكد استقبال القسم العديد من الحالات التي تعرض أصحابها –وأغلبهم من الأطفال - إلى حوادث بسبب هذه الأغطية، ويقول الدكتور الأشعري: "كثيراً ما نستقبل أطفالاً تراوح أعمارهم بين الست والعشر سنوات قد تعرضوا لجروح حادة نتيجة هذه الأغطية المعدنية لبعض المشروبات بعد محاولتهم فتحها، ويراوح عدد الحالات التي استقبلناها من هذا النوع من 60 إلى 70 خلال العام الماضي وهي حالات متفاوتة الخطورة، ونحن بدورنا نقوم بخياطة الجرح بعد تطهيره".
من جهته يؤكد الدكتور أحمد حسن حامد إخصائي الباطنة في قسم الطوارئ في مستشفى القوات المسلحة في الرياض تكرر وقوع هذه الحالات نتيجة الأغطية المعدنية ويقول: "أكثر الإصابات التي نستقبلها بسبب هذه الأغطية تكون في الأطفال ما بين 3 إلى 9 سنوات وتكون الإصابات كلها عرضية وغالبا ما يتعرض الطفل لجرح في يده أو جرح في اللثة أحيانا".
ويضيف الدكتور أحمد: "هذه القطعة ذات أطراف حادة وكثيراً ما تلقى - نتيجة الإهمال من البعض - في الأرض ولا تلقى في سلة المهملات, ونتيجة بقائها ملقاة لفترة طويلة تتعرض لجراثيم وصدأ ثم يقوم الطفل بالمشي عليها حافيا مما يسبب جروحا في قدمه ومن ثم إصابته بتسمم، وهذا التسمم يستدعي الذهاب إلى المستشفى وخياطة الجرح ومعالجة التسمم بإبر خاصة".
طوارئ مجمع الرياض الطبي تؤكد الأمر ذاته على لسان فهيد القحطاني المدير المناوب لقسم الطوارئ الذي يقول: " الحالات من هذا النوع كثيرة جدا حيث إن مجمع الرياض الطبي من أكثر المستشفيات استقبالا لحالات الطوارئ في منطقة الرياض، وغالبية هذه الحالات من الأطفال وهناك حالات جرح بسبب كون هذه الأغطية معدنية ذات أطراف حادة ولا يقتصر الأمر على الصغار بل الكبار حينما يقومون بفتح هذه المشروبات بطريقة خاطئة، كما واجهنا العديد من حالات ابتلاع هذه الأغطية بسبب صغر حجمها وتهاون البعض في رميها في أي مكان, وهذا يمكن الأطفال الصغار من الوصول إليها والعبث بها وربما ابتلاعها".
حوادث ابتلاع
يقول الدكتور الأشعري متحدثا عن حالات الابتلاع: "واجهنا العديد من حالات الابتلاع لكنها قليلة ولا تصل إلى مستوى الجروح ويقدر عدد هذه الحالات خلال العام الماضي في طوارئ مستشفى اليمامة بأربع حالات فقط، وقلة حوادث الابتلاع لا تقلل من مخاطر هذه الأغطية".
ويفصل الدكتور أحمد حسن حامد مواطن الخطورة في ابتلاع هذه الأغطية فيقول: "كثيرا ما نرى بعض الأطفال في سن ثلاث سنوات يبتلعون الغطاء المعدني، وغالبا ما تعلق هذه القطعة في أعلى الحلق وأحيانا -إذا كان الطفل سعيد الحظ- فإنه يبتلعها لأنه إذا ابتلعها فإنها تخرج بسهولة من المخرج الطبيعي، أما إذا علقت في أعلى الحلق أو في المريء فهذا يستدعي تدخلا فوريا عن طريق التنظير لالتقاط هذه القطعة من المريء أو إذا استدعت هذه الحالة التحويل إلى إخصائي الأنف والأذن والحنجرة لإزالة هذه القطعة من أعلى الحلق ووجودها يشكل خطورة لأنه من الممكن أن تتحرك هذه القطعة من مكانها وتدخل على القصبة الهوائية والجهاز التنفسي فيصاب الطفل باختناق حاد".
ويقول الدكتور الأشعري: " في حالة نزول القطعة في المريء نصور الطفل بالأشعة وننظر أين وصل الغطاء فإذا كان قد تعدى أضيق نقطة في الجهاز الهضمي والتي هي مكان اتصال المريء بالمعدة عندها نتابع الطفل فقط لحين إخراج الغطاء مع البراز، أما إذا لم ينزل فيقوم عندها طبيب الأنف والأذن والحنجرة بإخراج الغطاء بالمنظار بعد إخضاع الطفل لتخدير كلي". ويضيف الأشعري قائلاً: "نظراً لكون الغطاء ذي أطراف حادة فمن الممكن أن يسبب جروحاً في المريء أو المعدة أو الأمعاء في أثناء سيره داخل الجهاز الهضمي وفي هذه الحالة نراقب النزيف هل وقف بنفسه تلقائياً أم لا؟ عند استمراره يتم التدخل جراحياً بالمناظير لإيقاف النزيف الداخلي وتكون هذه الحالة خطيرة توجب الاهتمام البالغ".
يرى الأطباء أن ابتلاع هذه القطعة ووصولها إلى القصبة الهوائية أشد خطورة بكثير من وصولها إلى المريء، ويقول الدكتور الأشعري: "إذا ابتلع الطفل هذا الغطاء ونزل في القصبة الهوائية، ففي هذه الحالة من الممكن أن يصل إلى الرئة وقد يهمله الوالدان مما يسبب بعد فترة خراجا في الرئة وهذه حالة خطرة حدثت كثيراً لأشخاص عند ابتلاعهم أشياء غريبة ونزولها في القصبة الهوائية". ويقول الدكتور أحمد حامد: " وصول القطعة إلى القصبة الهوائية حالة إسعافية شديدة جدا, فعلى المحيطين بالطفل عدم التدخل نهائياً خصوصاٌ إذا كان الطفل صغيراً. بعض الأمهات عند تعرض ابنها لذلك تحاول إدخال إصبعها في حلق الطفل محاولة إخراج القطعة منه لأنه من الممكن زيادة خطورة الحالة وإيذاء الطفل بدلاً من إنقاذه، الواجب على الوالدين في هذه الحالات التوجه فورا إلى المستشفى أو إلى أقرب مركز طبي دون أي تباطؤ فهناك طبيب مدرب على التقاط مثل هذه الأشياء بطريقة سليمة، وفي حالة كون المنزل بعيدا عن المستشفى إن كان لدى الوالدين أو أحدهما خبرة في الإسعافات الأولية (إسعاف قلبي رئوي) وإلمام بكيفية إجراء التنفس الصناعي فليقم بذلك عن طريق النفخ في فم الطفل، ويتم ذلك في أثناء نقل الطفل إلى المستشفى. لذلك لا بد أن يكون لدى كالإنسان معرف بكيفية القيام بعملية التنفس الصناعي". ويؤكد الدكتور الأشعري أنه واجه هذه الحالة لطفل ابتلع هذا الغطاء ووصل إلى القصبة الهوائية واستخرجه طبيب الأنف والأذن عن طريق سحبه بالمنظار، وقد استمرت العملية حوالي ساعة كاملة.
ويوضح الدكتور أحمد حامد الأعراض التي تظهر على الطفل المصاب بالاختناق فيقول: " تتمثل أعراض الاختناق في: صدور صوت حشرجة من أعلى الحلق عند تنفس الطفل، وإصابته بشيء من التهيج، كما يميل لونه إلى الزرقة وينتفخ جسمه".
ويضيف الدكتور الأشعري نوعاً آخر من المخاطر الناتجة عن هذه الأغطية فيقول: " يقوم بعض الأطفال باللعب بهذا الغطاء ثم يرميه داخل عبوة المشروب، وبما أن هذا الغطاء معرض للتلوث فوقوعه في المشروب قد ينقل إليه بعض الجراثيم التي قد تتسبب بإصابة الطفل بأمراض خطيرة".
ويجمل فهيد القحطاني أسباب وقوع هذه الإصابات بإهمال الوالدين أطفالهما، وعدم مراعاة فتح العبوات بالطريقة الصحيحة وهي بطبيعة الحال خطيرة في الأحوال العادية فما بالك في حالة الاستخدام الخاطئ؟
الوقاية خير من العلاج
بعد أن اتضحت مخاطر هذه الأغطية يبقى السؤال الأهم: كيف نحمي أنفسنا وأطفالنا من هذه المخاطر؟ يقول الدكتور الأشعري: "أقترح أن تقوم مصانع المشروبات الغازية بتزويد العبوات بغطاء ثابت لا ينفصل عنها وهذا مطبق في بعض المشروبات الشهيرة، وحسب المعلومات التي لدي أن هذه الأغطية الموجودة هنا قد تم منعها في الولايات المتحدة الأمريكية نهائيا ويتم العمل بالغطاء الثابت الذي ذكرته". ويوافقه في ذلك فهيد القحطاني الذي يقول: " أتمنى الاقتداء ببعض الدول الغربية من حيث إجبار مصانع هذه المشروبات على تزويد عبوة المشروب بغطاء مثبت في العبوة لا ينفصل عنها".
لكن الدكتور أحمد حامد يخالفهما في ذلك ويرى أنه لا فائدة كبيرة من تثبيت الغطاء بالعبوة ويعلل ذلك قائلاً: " الغطاء الثابت لا يحل المشكلة نهائيا حيث إن كثيراً من الأطفال مغرمون بفك هذه الأغطية، بل إن بعض الكبار يقومون بذلك نتيجة حالة نفسية بل يصل الأمر إلى قيامهم بالعبث وممارسة نوع من العدوانية تجاه العبوة نفسها والقيام بثنيها حتى تتمزق وبالتالي من الصعوبة حل الأمر نهائيا لأنه يدخل في تصرفات انفعالية لبعض الناس"، ويكمن الحل في نظر الدكتور أحمد بالوقاية فهي خير من العلاج ويقول: "علينا أن نرمي هذه العبوات مع أغطيتها في الأماكن المخصصة، ومنع الطفل من السير حافي القدمين والمشي في أماكن القاذورات فالطفل في ذمة والديه يجب أن يكون مراقباً مراقبة لصيقة". ويضيف: "أقترح أن يتم تصنيع الغطاء بطريقة تجعله غير حاد الأطراف، فأطرافه عادة ما تكون أكثر حدة من السكين فإذا كانت هناك طريقة تصنيعية معينة تجعله ليناً وغير قاطع فهذا أمر جيد".
وينصح الدكتور الأشعري كل عائلة بالانتباه لأطفالها أثناء فتحهم هذه العبوات, بل إبعادهم عنها نهائيا ويعلل ذلك بكون أغلب هذه العبوات لمشروبات غازية وضرر هذه المشروبات لم يعد خافياً على أحد كما يقول. ويضيف: " كثير من الأطفال لديهم حساسية في الصدر بسبب الجو الجاف للمملكة, وقيامهم بتناول هذه المشروبات باردة خطر شديد عليهم، لذلك يجب على الوالدين تنبيه الطفل إلى خطورة هذه المشروبات وكذلك الانتباه له".
ويقول فهيد القحطاني: " أنصح الوالدين بإبعاد الأطفال عن تناول المشروبات الغازية لمضرتها وفي حالة إصرارهم على تناولها أنصح باستخدام العبوات البلاستيكية، أما في حالة استخدام العبوات المعدنية فأنصح بالانتباه الشديد أثناء فتحها والتخلص من الغطاء فور فتح العبوة، وعدم ترك الأطفال يفتحونها بأنفسهم، وحسبما أسمع أن بعض الطلاب يحضرون بعض هذه المشروبات معهم إلى المدرسة فأتمنى من إدارات المدارس التشديد في منع إدخالها للمدرسة, وفي حالة السماح أنصح بالانتباه للطلاب من قبل المشرفين".