صدقت الشائعات وإن حذرت الهيئة
بصراحة مطلقة، ودون مواربة، وبشكل مباشر، وبالفم المليان أقول إن من يملك مفاتيح سوق الأسهم ليس هيئة السوق المالية، مع احترامنا لكل جهودها التي تشكر عليها وتقديرنا لدورها المهم في السعي لضبط السوق وسلامة التعامل فيها ونظاميتها، الذي يملك هذه المفاتيح وأن أردنا الدقة ''الماستر كي'' أي المفاتيح الرئيسية في سوق الأسهم هي تلك القوى الخفية التي تمتلك كميات كبيرة من الأسهم والذين يطلق عليهم ''الهوامير''، وهو مسمى مجازي كناية عن الشراهة والجشع.
أقول هذا الكلام على وقع ما يحدث في سوق الأسهم من ارتفاع وانخفاض في أسعار الأسهم دون معطيات منطقية، مما يؤكد بأن هناك من يحرك السوق من وراء ستار، ولكيلا نذهب بعيداً فقد لاحظ كل من تابع سوق الأسهم خلال الأسابيع الأربعة الماضية ذاك الارتفاع المحموم الذي أصاب أسهما معينة، وجاء هذا الارتفاع بناء على الشائعات التي تحذر هيئة السوق المالية منها ومن تتبعها، فقد سرت قبل أسابيع قليلة شائعات حول عدد من الشركات، وانطلقت التوصيات بسرعة شراء أسهمها لأن أسعارها سوف ترتفع وبنسب عالية، ومن استمع لتحذيرات هيئة سوق المال بعدم الاعتماد على الشائعات فاتته مكاسب جيدة ومجزية، ومن تجاهلها وصدق تلك الشائعات جنى أرباحاً كبيرة ، ولكي نوثق مثل هذا الكلام نشير لما حدث لأسهم شركتي ''مبرد'' و''المواشي المكيرش'' خلال الأسابيع القليلة الماضية، فالكثيرون جاءتهم توصيات محددة لهاتين الشركتين، وفعلا أخذت أسهم ''مبرد'' ترتفع بسرعة الصاروخ وهي تسجل نسبا لأيام متتالية ليصل السهم إلى 450 ريالاً بعد أن كان سعره في حدود الـ 200 ريال، ونفس الشيء حدث مع أسهم شركة ''المواشي'' الذي لم يسبق أن تجاوز الـ 100 ريال فإذا به يقفز لحدود الـ 126 ريالاً في أسبوع واحد، ولكن تخيل الأرباح التي تحققت لمن غامر وتبع تلك الشائعات..!! كما علينا تصور خسائر من أغراهم الطعم من بعض صغار المستثمرين والذين لا يقلون جشعا عن الهوامير مع فارق المقارنة بالطبع.
المقصد من هذا الكلام أن المعلومات أو الشائعات كما تطلق عليها هيئة السوق المالية وهي محقة في ذلك، تقول إن ''هوامير'' شركتي ''مبرد'' و''المواشي'' قرروا رفع سعر أسهم الشركتين وفق حسابات دقيقة بهدف جني أرباح طائلة، ولهم في ذلك أساليبهم التي تمرسوا عليها والتي يقع فيها دائما صغار المساهمين، وهو ما حدث فعلا، وما حدث يجعل من التساؤل حول دور أولئك ''الهوامير'' السلبي على سوق الأسهم ملحاً ومهما، لأن ترك السوق تتحكم فيه حفنة من المتنفذين دون ضوابط سوف ينعكس على مصداقية السوق الاقتصادية، وهذا ما حذر منه كثير من الخبراء الاقتصاديين والمختصصين في سوق الأسهم بالذات، كما يجري في هذه السوق من ارتفاع وانخفاض يبين أنه لا يحدث وفق أسس اقتصاديات السوق، وخير شاهد على ذلك ما جرى لسهمي ''مبرد'' و''المواشي''، بل يشير إلى أنه قائم على عمليات مضاربة بحتة يحركها متنفذون بعيداً عن حقيقة أداء الشركات سلبا وإيجابا. لا شك في أن إنشاء هيئة السوق المالية ساهم إيجابيا في ضبط عمليات السوق إلى حد كبير، وأدت دوراً ملموسا في الحد من التلاعب فيه ولكنها لم تنجح في القضاء على هذا التلاعب بشكل كامل، والمطلوب منها بذل المزيد من الجهد الرقابي على تعاملات السوق حتى لا تعطي الفرصة لمن يسمون بالهوامير لممارسة تلاعبهم في أسعار الأسهم، ففي الحالات التي ذكرناها غاب دور الهيئة تماماً، فقد كان المتوقع أن تتدخل الهيئة لإيقاف ارتفاع أسعار أسهم تلك الشركات بذلك الكم المثير للجدل والاستغراب، وتوقفه لتصحيح وضعها مادام أنه مجرد مضاربة لا علاقة له بأداء الشركات الفعلي، وهذا ليس فيه تدخل في حرية السوق، بل عملية ضبط ضرورية للمحافظة على استقرارها وجعلها تنمو طبيعيا وعلى أسس اقتصادية وإنتاجية.
لا نختلف على أن هيئة السوق المالية ومنذ إنشائها تؤدي أدوارا إيجابية أدت إلى ضبط كثير من تعاملات سوق الأسهم، وتجتهد في توعية المتعاملين معها بالبعد عن تتبع الشائعات عبر حملات إعلانية في الصحف والتلفاز وتحذر منها، وهذا شيء جيد وجهد تشكر عليه ولكن هذه التوعية وهذا التحذير من الشائعات لن تكون لها جدوى أو قيمة عندما يجد الناس أن هذه الشائعات تصدق وتثبت شاشة التعامل أنها مبنية على معلومات يلمسونها ويرونها تنعكس على أسعار الأسهم التي تدور حولها تلك الإشاعات، وأخشى القول حقيقة إن التعامل في سوق الأسهم سوف يظل يعتمد في معظمة على هذه الشائعات التي تحذر منها الهيئة أكثر من اعتمادها على حقائق السوق الفعلية ومنها أداء الشركات، ومن الحقائق المرة في تعاملات سوق الأسهم ما تراه من ارتفاع أسعار شركة تؤكد أرقامها أنها خاسرة، وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه دونما اتخاذ إجراء أكثر حزما، فسوف تظل الإشاعة من أهم مصادر السوق، وأخشى القول أكثرها مصداقية وإن افتقدت للموضوعية.