أسابيع المرور أو الأذان في مالطا

شاركت المملكة شقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي الأسبوع ما قبل الماضي في إقامة أسبوع مشترك للمرور للمرة الثانية والعشرين تحت شعار "الالتزام فيه الأمان" وبداية ودون الحاجة إلى مقدمات أقول إن فكرة مثل هذه الأسابيع لم تعد مجدية وليس لها مردود إيجابي ملموس، وإن كان لها شيء من ذلك فهو لن يتعدى أن يكون مؤقتا ووقتيا ينتهي مفعوله بانتهاء مثل هذه الفعاليات العابرة، فهي ليست أكثر من مجرد نشاط تصرف عليه مبالغ وتبذل فيه جهود لا جدوى منها ألبتة، فلب المشكلة المرورية التي نعاني منها ليس في قلة الوعي بقدر ما هي في قلة الالتزام بقواعد المرور واحترام أنظمته والتقيد بتعليماته التي هدفها الأساسي والأول هو سلامة كل مستخدمي الطريق، وقلة الالتزام علاجه هو في تطبيق نظام عقوبات على المخالفين بصرامة ودقة، فالتوعية المستمرة ومنذ سنوات طويلة لم تقلل لا من نسب الحوادث ولا من تضاعف أعداد المصابين ولا من تكبدنا خسائر مادية كبيرة، كما أنها لم تؤد لإقناع الكثرة بخطأ الخروج على الأنظمة المرورية ومخالفتها، وهذا ما نلحظه يوميا، حيث باتت قيادة السيارة معاناة، بل وفي بعض الأحيان مخاطرة بسبب القيادة خارج القواعد والأنظمة المرورية، فما الفائدة إذن من أسابيع مرور لا تؤدي إلى أي نتيجة؟
ليس لديّ فكرة كاملة عما تعانيه دول مجلس التعاون الأخرى مروريا، ولكن لديّ فكرة دقيقة عما نعانيه نحن هنا في المملكة من مشاكل مرورية تصل في كثير منها حد المخاطر المرورية الحقيقية والمؤذية والناتجة عن عدم الالتزام بقواعد المرور وعدم قيادة السيارة وفق أنظمته، وهذه الحالة المنفلتة، ولا أبالغ في ذلك، هي التي أوصلتنا لأن نحتل موقعا متقدما ضمن الدول الأكثر مخاطر مرورية في العالم، وهذا ما أكدته دراسة صادرة من مجلس التعاون الخليجي نشرت "الاقتصادية" يوم السبت 18/2/1427هـ ملخصا لها أظهرت أن المملكة تعد واحدة من أكثر البلدان في العالم التي تشهد حوادث مرورية مميتة بما تضمنته من أرقام مخيفة ومقلقة ومرعبة نتيجة حوادث السيارات في بلادنا، تقول أرقام هذه الدراسة المرورية إنه في عشر سنوات أودت حوادث السيارات بحياة أكثر من 30 ألف شخص، وأنه في عام واحد فقط بلغ عدد من فقد حياته أربعة آلاف إنسان و32 ألف جريح وهو ما يشير إلى أن ذلك يعتبر من أعلى معدلات نسب الحوادث المرورية في العالم، أما على صعيد الخسائر المادية فتقول الدراسة إنها ما يقرب من 21 مليار ريال سنويا وهو ما يساوي ستة مليارات دولار، وحسب أرقام الدراسة أيضا ولتوضيح خطورة الأمر فهذا يعني أن المملكة تفقد سنويا 4 في المائة من الناتج المحلي بسبب خسائرنا من حوادث السيارات، وأختم الأرقام الإحصائية التي تؤكد تصنيف المملكة بأنها تحقق أعلى نسب حوادث سيارات وأنه على مدى 30 عاما وقع في المملكة نحو مليون ونصف مليون حادث مروري وهو عدد يمثل نسبة عالية في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 20 مليون نسمة.
هنا لا بد وأن نضيء إشارة حمراء فاقعا لونها، فحينما تصبح بلادنا الآمنة المطمئنة من أوائل الدول في نسبة الحوادث والمخاطر المرورية يعني أن هناك خللا ما لا بد من معالجته، وأتصور أن هذا الخلل يكمن في ارتفاع نسبة المخالفات المرورية التي تطبع سلوكنا العام، وتكمن هذه المخالفات في آفة المرور الأولى وهي السرعة، بل والسرعة المفرطة، ويلاحظ أن أكثر مرتكبي هذه المخالفة وأقصد بها السرعة هم فئة الشباب، خاصة صغيري السن ممن أعطوا رخص قيادة مبكرا وسُلموا سيارات تشجع على السرعة وتركوا يمارسون كل ألوان العبث من سرعة وسقوط على الغير ووقوف استفزازي واقتحام المسارات والقيادة البهلوانية وكأنهم يمارسون لعبة إلكترونية وليس قيادة سيارة قد تؤدي بهم وبغيرهم إلى الموت أو الإصابات المعيقة لا قدر الله، وهذه الفئة هي التي نعاني منها بكل صراحة في شوارعنا بسبب ما يتميزون به من رعونة لا مثيل لها، وهو ما يستوجب إعادة النظر في إعطاء رخص قيادة للشباب صغيري السن، كأن ترفع السن النظامية إلى 20 سنة وأن يُفرض عليهم أخذ دورة تصمم من قبل الكليات الأمنية والجامعات تعنى بسلوكيات قيادة السيارة الصحيحة وتوضح فيها مخاطر مخالفتها، وأن تسن عقوبات صارمة على من يرتكب مخالفة سرعة على وجه الخصوص تنص على سحب رخصة قيادته وإذا لزم الأمر حجز سيارته لمدة تتناسب مع تكرارية المخالفة أو خطورتها، وهذا صار مطلوبا لكون هذه الفئة العمرية باتت تمثل نسبة لا بأس بها وبارزة في مجتمعنا، وما لم تضبط سلوكياتها المرورية فسوف نعاني أكثر من انفلاتها وتصرفاتها المرورية السلبية، خصوصا في غياب الضبط والعقوبة والمحاسبة حتى يعرفوا مبكرا أن الشارع ليس ساحة للعبث بأرواحهم وأرواح الناس.
المحصلة من كل ذلك أن لا علاج للمخالفات المرورية إلا بتطبيق عقوبات صارمة، فأي قانون أو نظام لا يمكن أن يطبق نفسه بنفسه، بل لا بد من وجود جهة تفعل ذلك، ولا أظن أن أسابيع المرور تسهم في التطبيق فهي باتت (تشبه المؤذن في مالطا) حسب المثل الشهير كناية عن عدم الجدوى والفاعلية، فالمطلوب لكي نحسن من وضعنا المروري هو القيام فعلا بحملة مركزة وتستمر لأشهر متتابعة بنفس واحد لإعادة الانضباط إلى شوارعنا وطرقنا، خاصة في السرعة والوقوف العشوائي والتعدي على المسارات وغيرها من المخالفات الرائجة التي جعلتنا نحتل مقدمة الدول الأكثر مخاطر مرورية، ولنا في نجاح حملة ربط الحزام مثلا في فاعلية التطبيق.
بقي أن أقترح على الهامش اقتراحا آمل أن يُدرس وهو أن يُضاف مبلغ 50 ريالا مثلا على كل مخالفة تذهب لدعم الصناديق الخيرية ومنها صندوق محاربة الفقر، كما أتساءل عن إمكانية اقتطاع قيمة المخالفة من الراتب مباشرة كما يُفعل في الصين أو تسدد عن طريق أجهزة الصراف خلال مدة محددة تضاعف فيها قيمة المخالفة لمن يتجاوزها، والهدف هو جعل ارتكاب مخالفة مرورية مهما سهلت مكلفة، وهذا هو المطلوب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي