هل أصبنا في الاتجاه شرقا؟

<a href="mailto:[email protected]">nsabhan@hotmail.com</a>

التحرك السعودي صوب الشرق كان لافتا لكونه مؤسسا على رؤية لها مدلولاتها تقرأ الأحداث والتطورات والتغيرات مسبقا وتبني عليها مصالحها, ففي الشرق اليوم هنالك إرهاصات ومؤشرات تدل على تكون قوى عالمية جديدة سوف تكون مؤثرة ابتداء من اليابان القوة العالمية الناعمة, مرورا بالصين القوة العالمية الناهضة, وليس انتهاء بالهند القوة العالمية الواعدة. وما يميز هذه القوى العالمية القادمة هو أنها تنشأ بدافع القوة الاقتصادية والإنتاجية فقط, ولهذا فهي تستمد قوتها من الاقتصاد الذي لا يبحث إلا عن شركاء وتبادل منافع وليس مستمدا من قوة عسكرية تحركها دوافع سياسية طاغية بعقلية استعمارية قديمة.
من هذا الفهم لأبعاد التحرك السعودي نحو الشرق يمكن أن نلحظ أنه جاء من خلال رؤية استراتيجية من أجل بناء شراكة اقتصادية مبكرة مع هذه القوى الناشئة والقادمة بقوة للساحة العالمية, وأرضية مثل هذه الشراكة وشروطها متوافرة في ومع بلد بحجم ووزن وقيمة المملكة العربية السعودية إقليميا ودوليا, فالمملكة تمتلك كل العناصر الإيجابية لتكون شريكا اقتصاديا فاعلا ومثمرا, فإلى جانب طابع سياستها المتزن والذي أكسبها احتراما ومصداقية, فهي تمسك بيدها بأهم مصادر الطاقة وهو النفط, وتمارس من خلاله دورها كأكبر منتج له عالميا بواقعية واتزان كبيرين, توائم فيه ما بين حاجة المستهلكين وحقوق المنتجين, وهو ما يجعلها دائما شريكا يعتمد عليه وهو ما دفع سمو ولي العهد لبدء زياراته للشرق بتصريح إيجابي عن النفط. على الجانب الآخر وضمن مؤهلات المملكة كشريك اقتصادي مهم وبارز لا يمكن إغفال مكانتها البارزة في العالم الإسلامي وما تمثله من موقع قيادي مؤثر فيه, أيضا فإن المملكة بلد له استراتيجية تنموية مستمرة تعكسها برامجها الإنمائية الكبرى والمتعددة مما يجعلها في موقع الشريك الفاعل والقادر على إنشاء شراكة كاملة ذات مردود اقتصادي مثمر.
كل هذه العناصر الإيجابية التي تمتلكها المملكة وتضعها دوما في موقع إيجابي انعكس على نوعية الاستقبال المميز لخادم الحرمين الشريفين إبان جولته الآسيوية قبل مدة من الزمن, واستكمالا بزيارات سمو ولي العهد الحالية لعدد من الدول الآسيوية بدءا من اليابان. وما يلفت النظر حقيقة في هذه الزيارات السعودية للدول الآسيوية أنها تميزت بالجانب العملي الحقيقي, وهذا يتضح في نوع وكم الاتفاقيات التي وقعت.
بالطبع لن يكون التوجه للشرق, والذي يأخذ كما نرى زخما كبيرا, على حساب العلاقة مع الغرب الشريك القديم, وإن كان سوف يقلل من الاعتماد على هذا الشريك الغربي, وحقيقة لا بد من الإقرار بأن السعي السعودي بالذات للشرق ما هو إلا تنويع في العلاقات والاستفادة من زخم اقتصاديات إنتاجية كما هو في اليابان والصين والهند وبقية دول آسيا وحتى لا نكون أسرى لتوجه واحد. والحقيقة الأخرى هي أن التجربة مع الغرب وبالذات مع الولايات المتحدة لم تكن مشجعة أو مفيدة بالكامل, فالغرب يبني علاقاته وفق أجندة سياسية بحتة وليس وفق منافع اقتصادية متبادلة. ومن سلبيات التجربة مع الغرب هو نظرته الاستهلاكية الصرفة والتي تحكم تصرفاته وبناء علاقاته الاقتصادية, ومثال ذلك أن الغرب لا يساعد على نقل التقنية, بل ينمح قروضا للشراء منه لتشغيل مصانعه وتحويل الآخرين إلى مستهلكين, ولا يجب نسيان أن الفكر الغربي المتأثر بالعقلية الاستعمارية والتي تصل أحيانا إلى الحد الإمبريالي كما هو حال الولايات المتحدة اليوم هو الذي يجعل التعامل مع الغرب خارج البعد السياسي غير مثمر إلا بالقدر الذي يخدم مصالحه هو فقط, وهذا عكس الحال مع الشرق الذي ليست له أطماع سياسية ولا رغبة في الهيمنة كالمحركة للعقلية الغربية بفهم سلبي للقوة على أنها السيطرة والفرض فقط, وهو ما يجعل التعامل معه وبناء شراكة اقتصادية أكثر فائدة وأجدى نفعا من علاقات مقننة بحسابات بعيدة عن الدوافع الاقتصادية البحتة.
بقيّ في هذا الطرح ونحن نتوجه للشرق أن نستفيد من تجربتنا الاقتصادية والتنموية مع الغرب, وأقصد بذلك أن تكون شراكتنا مع الدول الآسيوية شراكة كاملة تتضمن ليس فقط نقل التقنية, بل الإسهام في تطويرها, أيضا لا بد أن نلتفت بعناية لبرامجهم التعليمية ونستفيد منها خصوصا في الجوانب التي تربي في الشباب روح العمل, فالمؤكد أن هذه الدول لم تحقق كل هذه المكانة الصناعية والاقتصادية دون فكر تعليمي وتربوي هو الذي قادهم إلى ذلك, فمن المهم جدا ونحن نحقق نقلة نوعية في تأسيس علاقات الشراكة الاقتصادية أن نوسع من مجالاتها.
هل أصبنا فعلا في التوجه شرقا؟ أقول نعم وبالتأكيد, ولكن هذا لا يكفي لأن علينا أن نضبط الاتجاه حتى نصل للمحطات التي نريد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي