شهود عيان على العدوان
<a href="mailto:[email protected]">nsabhan@hotmail.com</a>
أعتقد أن آلاف الأجانب الذين عايشوا العدوان الإسرائيلي على لبنان وشاهدوا بأم أعينهم حجم التدمير الفظيع والهمجي الذي مارسته آلة الحرب الإسرائيلية وعانوا من الخوف والترويع جراء حدة وعنف القصف الجوي الوحشي سوف يجعل منهم خير شهود عيان على حقيقة كيان العدو الصهيوني الإرهابية والعدوانية وعلى أكذوبة مقولة الدفاع عن النفس، ولا شك أن تجربتهم القاسية والمرة وما عايشوه من معاناة مع المدنيين اللبنانيين وهول التدمير المتعمد لكل ما هو مدني من طرق وجسور وقصف للمنازل والقرى والمدن قد كشف لهم هذه الحقيقة وهي أن إسرائيل تمارس إرهاب الدولة من طراز فريد في بشاعته بشهادة أن من رأى ليس كمن سمع، وهو ما يؤهلهم لأن يكونوا نواة لرأي عام جديد في رؤيته للصراع العربي الإسرائيلي في بلادهم تعرف على حقيقة العدوان دون تزييف وبعيد عن أكاذيب السياسيين الإسرائيليين والأمريكيين حول ما جرى وما زال يجري في لبنان, ولعله من محاسن الصدف رغم مرارة العدوان وما خلفه من مآسٍ إنسانية أن هذا العدوان حدث في أوج الموسم السياحي اللبناني وبوجود هذا العدد الكبير من الأجانب، ولا نخال أنهم جميعا وعلى وقع التدمير العدواني الذي مارسته آلة الحرب الإسرائيلية قد تكشف لهم زيف ادعاءات العدو الإسرائيلي أنه ضحية الإرهاب العربي اللبناني والفلسطيني، وسوف يعودون لبلدانهم وأهلهم وأصدقائهم وهم يحملون تجربة مروعة تزيح الغطاء عن الحقائق وتجعلهم قادرين على تفنيد كل المزاعم الصهيوينة وأبواقها.
أهمية هذه الشهادات تأتي من أن شعوب العالم وخاصة في أوروبا تختلط عليها الأمور حيال الصراع العربي الإسرائيلي، فالآلة الإعلامية في بلدانهم ذات التوجه العام المؤيد لوجهة نظر العدو الإسرائيلي بسبب سيطرة القوى الصهيونية عليها والمدعمة بتبريرات سياسية تصور أن ما ترتكبه دولة العدو الإسرائيلي ما هو إلا دفاع عن النفس كما هو الحال مع الفلسطينيين، هي التي أوجدت هذا الخلط في المفاهيم بجعل الضحية هو الجلاد والجلاد هو الضحية، وإن برزت بعض الأصوات المنصفة فإنها تضيع وسط ضخامة الآلة الإعلامية الموجهة صهيونيا ومدى تأثيرها في إضعاف أي رد فعل يسعى لكشف حقيقة العدو الإسرائيلي العدوانية، وخير شاهد على ذلك رد الفعل الدولي السياسي والإعلامي الباهت بل والمنافق حيال ما ترتكبه القوة العسكرية الإسرائيلية من جرائم حرب لم يجرؤ حتى النازيين على ارتكابها، وأشدها سوءا الموقف الأمريكي الرافض لوقف إطلاق النار وتراخي بقية المجتمع الدولي بالرغم من حدة المأساة الإنسانية التي خلفها العدوان بما يجعلهم جميعا شركاء في الجريمة، كل هذا التزييف الممارس تحت غطاء البحث عن حلول جذرية، وهو في الواقع لإعطاء الفرصة للعدو للقضاء على حزب الله وما يمثله من مقاومة حتى ولو كان على حساب كل لبنان وشعبه الذي شرد جزء كبير منه في صورة عقاب جماعي لم يحدث في تاريخ الحروب والنزاعات، هذا التزييف عليه الآن شهود حال عانوا ما عاناه اللبنانيون وهم أولئك الآلاف من السياح والزائرين الأجانب الذين عايشوا الخوف والرعب على الأرض وليس عبر شاشات التلفزة التي مهما حاولت أن تنقل الصورة إلا أنها سوف تكون قاصرة أمام هول ما حدث.
ما أريد قوله هنا إن في يدنا الآن شهودا لا بد وأن نفعل دورهم عالميا لنقل صورة العدوانية الصهيونية على حقيقتها دون ورق سولفان سياسي يجمل الجريمة ويلونها بكل الكذب الأسود كما تفعل وزيرة الخارجية الأمريكية حين تنسب ما تعرض له الشعب اللبناني لأفعال المقاومة التي تسميها إرهابا إن كان في لبنان أو فلسطين وليس لعدوانية حبيبتها دولة العدو إسرائيل، إلا أن هذه الشهادات التي حملوها معهم من أرض النار والدمار في لبنان تحتاج إلى عمل منظم يكون منهما وسائل ضغط حقيقية في بلدانهم وخاصة الأوروبية، والجاليات اللبنانية والعربية في العالم وخاصة العالم الغربي يمكن أن تقوم بهذا الدور وتستغل هذه الفرصة الذهبية بإقامة ندوات ومؤتمرات يدعون فيها كل من عايش الأحداث على الأرض اللبنانية من الأوروبيين في كل العواصم الأوروبية لكي يعرضوا مشاهداتهم وينقلوا تجربتهم المؤلمة تحت وابل القصف الإسرائيلي الهمجي، فهذه شهادات يجب ألا تضيع وتترك تضمحل وتنسى، فأهمية هذه الشهادات تستلزم سرعة وضع خطة عمل تشرف عليها جهات عربية مثل الجامعة العربية ومنظمات الجاليات العربية في مختلف دول العالم بدعم من منظمات المجتمع المدني العربي المختلفة لتسجيل هذه الشهادات حية وجمع شهودها من باب التعاطف مع معاناتهم وإبرازها عن طريق إنشاء جمعيات للذين تضرروا من العدوان الإسرائيلي وروعوا في كل دولة وخاصة في أوروبا لأهمية الرأي العام الأوروبي ومن أجل تشجيعه على إبراز صوته وموقفه الكامن فيه والذي عبر عنه في ذلك الاستفتاء الشهير الذي أجراه الاتحاد الأوروبي العام الماضي والذي قرر فيه غالبية الأوروبيين أن إسرائيل ثم الولايات المتحدة هما أكثر الدول تهديدا للسلام العالمي.
هذه الشهادات الحية المغموسة بالمعاناة الحقيقية والمعايشة الواقعية للعدوانية الإسرائيلية للعديد من الجنسيات المختلفة هي فرصة ذهبية من أجل توظيفها لإحداث شرخ في جدار الزيف الصهيوني وتصحيح مفاهيم الرأي العام المزيفة، فعلينا أن نتعلم كيف نوظف كل عنصر يخدم قضايانا بالطريقة الفاعلة والمؤثرة، ووجود جاليات عربية وخاصة لبنانية لها حضورها المميز ومساهماتها الفعالة في المجتمعات الأجنبية يمكن أن يلعب دورا في احتضان كل أصحاب هذه الشهادات وتفعيلها في عمل منظم مؤسساتي مدني ليكون صوت الحقيقة الغائبة بفعل السيطرة الصهيونية الإعلامية والسياسية، والدفع بها لأن تكون أساسا لنشوء رأي عام عايش حقائق العدوان على الأرض والواقع.