مشروع لمنظمة الأغذية يجعل القهوة أكثر أمنا
ربما كانت غالبية شاربي القهوة لم تسمع من قبل بالأوكراتوكسين A (أو OTA). وهو سم طبيعي شديد السمية للكلى -وربما كان مسرطناً- ينتجه عفن فطري يوجد أحياناً على حبوب البن الخام أو الخضراء، ولا يزول تماماً بعد تحميصها.
ويعد سم الأوكراتوكسين A بالغ الخطورة لدرجة جعلت خبراء منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية يحددون المستوى الأقصى المسموح به بالنسبة إلى بني البشر بمقدار 100 جزء بالمليار من الجرام لكل كيلوجرام من وزن الجسم في الأسبوع. وفي عام 2004 وضع الاتحاد الأوروبي حداً أقصى مسموحاً به من الأوكراتوكسين A هو 5 أجزاء بالمليار في البن المحمص والبن المطحون، و 10 أجزاء بالمليار في البن سريع التحضير. إلا أنه لم يعلن عن حد معين بالنسبة إلى البن الأخضر.
ولم يكتشف وجود سم الأوكراتوكسين A في مشروبات القهوة إلا حديثاً، في 1988. وقد قام الاتحاد الأوروبي بعد مدة قصيرة من هذا الاكتشاف بإطلاق برنامج للتوفيق بين لوائح نسب السموم الفطرية في المواد الغذائية - ومن ضمنها الحدود القصوى لسم أوكراتوكسين A في البن- حيث أطلق هذا الموقف أجراس الإنذار في ميدان تجارة البن العالمية التي تبلغ قيمتها 70 مليار دولار في السنة، وتبين لدراسة أجراها الاتحاد الأوروبي للبن (ECF) - الذي يمثل مستوردي البن الأخضر وشركات التحميص وشركات صناعة البن سريع التحضير- أن تحديد نسبة 5 أجزاء بالمليار من الأوكراتوكسين قد يؤدي إلى رفض 7 في المائة من واردات البن الأخضر وأن جميع البلدان المصدرة للبن ستتضرر جراء ذلك.
وقامت منظمة الأغذية والزراعة عام 2001 بإطلاق مشروع "لتحسين جودة البن من خلال منع تكون العفن الفطري". حيث تقول ريناتا كلارك خبيرة سلامة الأغذية لدى المنظمة، والتي تولت قيادة المشروع الذي بلغت تكلفته 6.3 مليون دولار " لقد كانت الاستراتيجية الأساسية هي تمكين البلدان المنتجة للبن من تطوير وتنفيذ برامجها القطرية للوقاية من التلوث بالأوكراتوكسين A وتخفيضه".
فعمل المشروع خلال السنوات الخمس اللاحقة يداً بيد مع 30 بلداً تقدم نحو 93 في المائة من صادرات البن العالمية. حيث عمق الفهم العلمي للعوامل المسببة للتلوث بالأوكراتوكسين A، ووضع استراتيجيات للوقاية عند النقاط الرئيسة في سلسلة التزويد، كما طور ممارسات صحية جيدة يجري الآن نشرها بين مزارعي البن ومصنّعيه وناقليه في أرجاء العالم.
مهام المشروع
وقد كان من بين المهام الأولى للمشروع استقصاء العوامل المسببة للعفن الفطري في البن، بغية تطوير نموذج لتحليل مصادر الخطر ونقاط الرقابة الحرجة (HACCP) من أجل مكافحة تشكُّله، إلى جانب تطوير استراتيجيات للوقاية أثناء عمليات المعالجة والتجفيف والمناولة والتخزين الأولية للبن. وبالتعاون مع معاهد البن المتخصصة في البرازيل وكولومبيا وكورت ديفوار (ساحل العاج) والهند وإندونيسيا وكينيا وأوغندا، نفذ المشروع عمليات مسح لمعرفة الكيفية التي يتبعها المزارعون في قطف ومعالجة البن، وكيف يجري التفاعل بين الممارسات المزرعية وبين الفطر المسبب للسم.
وأثبت الفحص المكثف لعيناتٍ من التربة أن الفطر الرئيس المسبب للأوكراتوكسين A ، وهو Aspergillus ochraceus، يوجد في التربة المحيطة بجذور أشجار البن أكثر من وجوده في الترب الأخرى. وخلص المشروع إلى أن "البن الذي كان على تماسٍ مباشر مع التربة لأكثر من بضعة أيامٍ يشكل خطر تلوثٍ بالأوكراتوكسين A . ومن ثم يجب استبعاد هذا البن من السلسلة الغذائية." كما أثبتت التجارب الأولية أن تعرض أزهار البن لأبواغ فطر Aspergillus ochraceus يمكن أن يؤدي إلى إصابة الحبوب به.
وإضافة إلى ذلك فقد عزا الخبراء وجود الأوكراتوكسين إلى عيوب في تكوين الحبوب، وتعرضها إلى الرطوبة في أثناء التجفيف أو النقل.
الممارسات الصحية الجيدة
وبناء على التجارب وعمليات المسح التي نفذها على مدى خمسة أعوام، خلص المشروع إلى أن أفضل أسلوب لمنع تكون العفن والتلوث بالأوكراتوكسين A في البن- بعد قطفه - هو كفالة وجود مستويات آمنة للرطوبة بأسرع وقت ممكن، إضافةً إلى منع الرطوبة عن الثمار. وقد أثبتت الفحوص أن التوصيات الحالية لمنظمة البن الدولية بشأن الحد الأقصى للرطوبة في ثمار البن الخضراء (12.5 في المائة) تنسجم مع منع نمو الكائنات المسببة للأوكراتوكسين A.
لكن المشروع أثبت كذلك أن تلوث حبوب البن بالأوكراتوكسين A وهي ما زالت على الأشجار يمكن أن يكون كبيراً ومهماً، ومن الضروري القيام بالمزيد من العمل لفهم الآليات المتصلة بالتلوث بالعفن وتراكم الأوكراتوكسين A أثناء عمليات الإنتاج الأولية.
هبوط ملحوظ
حينما وصل المشروع إلى نهايته في يوليو 2006، كالت صناعة البن المديح له على إنجازاته. فمن خلال عمليات المسح التي أجريت على حبوب البن الخضراء التي دخلت إلى الاتحاد الأوروبي، لاحظ فريق المهمة المعني بالأوكراتوكسين A التابع للقطاع الأوروبي للبن انخفاضاً ملموساً في مستويات الأوكراتوكسين A بين عام 1995، حينما بدأ الرصد، وبين 2004، حينما كان مشروع المنظمة يعمل بكامل طاقته. وبوجه عام، انخفضت المستويات من نحو 2 جزء بالمليار خلال الفترة 1995- 1998 إلى ما دون 1.3 جزء بالمليار خلال الفترة 2002- 2004.