كيف أخبار المزاج يا سعادة المدير؟
كشفت دراسة قام بها معهد الإدارة في جامعة ييل YALE عام 1999 بعنوان "الأمزجة" والأداء الوظيفي Moods and Performance عن مدى الانعكاسات المباشرة للأمزجة الجيدة على فعالية الأشخاص في العمل ودور الحالة النفسية عند الموظف في نوعية أدائه الوظيفي حيث يحفز الشعور الجيد الفعالية الذهنية للمرء ويجعله أكثر استعدادا لاستيعاب المعلومات وتخطف الانتباه من المهمة المطلوبة وتقلص من قدرة الدماغ على معالجة البيانات والاستجابة بفعالية للأوامر وتسبب في تعرقل العمل بشكل قوي.
وإذا كانت تأثيرات العواطف والأمزجة لا تزال ذات دور ثانوي من وجهة نظر المديرين إلا أن الاكتشافات الأخيرة في تصميم الدماغ ستدفعهم للتعامل مع الأمر بجدية واهتمام أعمق، حيث أكد العلماء أخيرا أن العواطف ذات طبيعة معدية تنتشر في البيئة بسرعة انتشار الفيروسات، وذلك بسبب تصميم المراكز العاطفية في الدماغ والمسماة بالجهاز الحوفي Limpic system بشكل يطلق عليه الحلقة المفتوحة Open Loop والتي تسمح طبيعتها للمصادر الخارجية بالتأثير عليها وإدارتها، وهي مختلفة في تفاعلها عن نظام الحلقة المغلقة الدائرية التي تعمل بطريقة أتوماتيكية تنظم نفسها بنفسها، فلا يؤثر ما يحدث بداخلها فيما حولها، ويصف العلماء هذه الحلقة المفتوحة بأنها نظام اتصال مفتوح يمنح المحيطين بنا إمكانية تغيير فسيولوجيتنا وطبيعة عواطفنا. وحين يبث شخص ما إشارات فإن من شأنها أن تغير في مستوى الهرمونات ووظيفة جهاز الدورة الدموية وايقاعات النوم وحتى الوظيفة المناعية داخل جسم شخص آخر، وهذا ما لاحظه الباحثون مرارا وتكرارا عن كيفية انتشار العواطف بشكل لا يقاوم كلما كان الأشخاص قريبين من بعضهم حتى ولو كان التواصل بغير حديث تماما، فعلى سبيل المثال عندما يجلس ثلاثة غرباء بعضهم أمام بعض متقابلين في صمت لدقيقة أو دقيقتين فإن صاحب التعبير العاطفي الأقوى سينقل مزاجه للآخرين دون أن ينبس ببنت شفة، ويبدو التأثير نفسه في المكتب أو في المتاجر، فالأفراد في بيئات العمل يتأثرون بشكل محتوم بمشاعر بعضهم ويتقاسمون كل شيء بدءا من القلق النفسي وتعكر المزاج وصولا إلى الشعور بالنشاط والخفة.
إن تفاعل الدوائر المفتوحة بين أعضاء الجماعة يوجد نوعا من المزيج العاطفي حيث يضيف كل واحد نكهته الخاصة للمزيج، لكن القائد هو الذي يضيف أقوى التوابل، وذلك بسبب الحقيقة الثابتة في جميع بيئات الأعمال وهي أن الكل يراقب الرئيس، وأن الناس يستمدون أمزجتهم العاطفية من القمة فالحالات العاطفية للقادة وتصرفاتهم تؤثر في الكيفية التي يشعر بها الموظفون الذين يقودونهم وتنعكس بالتالي على نوعية أدائهم، ولذلك ففي كتابه Leaders as the Managers of meaning يوضح البروفيسور هوارد جاردنز من جامعة هارفرد أن قدرة القادة على إدارة أمزجتهم لم تعد مسألة شخصية بل عامل مؤثر في الرضا الوظيفي وتحفيز الأداء، وأن القادة المتفائلين والأذكياء عاطفيا يحتفظون بسهولة أكثر بفريق عملهم ويستقطبون الأشخاص الموهوبين لمتعة العمل في حضورهم وبالعكس فلا أحد يرغب في العمل تحت إمرة شخص سريع الغضب كثير التذمر، خاصة إذا علم أن مشادة سلبية مع الرئيس في العمل يمكن أن تترك المرء أسيرا للكرب بعقل منشغل وجسم غير قادر على تهدئة نفسه لساعات طويلة لتهيج إفراز هرمونات الإجهاد والضغط والتي تستغرق فترة طويلة حتى يتلاشى أثرها السلبي من الجسم.
* استشارية برامج تمكين المرأة