بطالتنا وهمية وعلاجها سهل

[email protected]

تعتبر البطالة من المشكلات المؤرقة لاستقرار المجتمعات وأمنها, ولهذا تهتم الدول بإيجاد حلول لها قبل أن تستفحل, وليس لها إلا حل واحد وهو تأمين فرص عمل, وبلادنا وبكل أسف من الدول التي تعاني هذه المشكلة كغيرها من دول العالم, وهو ما أكده بحث القوى العاملة التي أجرته مصلحة الإحصاءت العامة الذي أشار إلى أن نسبة البطالة بين الذكور بلغت 9.1 في المائة وبين الإناث 26.3 في المائة. وهذا ما دفع بالدكتور غازي القصيبي وزير العمل لأن يقول في تعليقه عليه إن ارتفاع نسبة البطالة يؤكد الحاجة إلى استمرار مكافحتها, وهذا من نافلة القول, إلا إن من صلب القول هو ما ذكره عن وجود استراتيجية ستنفذها وزارته خلال 25 سنة للقضاء على ظاهرة البطالة, وما نتأمله منها هو تلمس أسباب وجود البطالة حتى تبنى على أرضية صلبة تبعدها عن الاجتهادات غير المجدية والتجارب العشوائية, التي هي من أسباب مشكلة البطالة في بلادنا.
حين التطرق إلى مشكلة البطالة في المملكة يبرز تساؤل مهم حول أسباب نشوء هذه المشكلة على الرغم من توافر كل سبل عدم وجودها أو على الأقل وجودها في حدودها الدنيا بحيث لا تمثل مشكلة حقيقية. فبلادنا, ولله الحمد, تملك اقتصادا قويا وحركة تجارية واقتصادية واسعة, إلى جانب اهتمام الدولة بالتنمية البشرية عن طريق التركيز على التعليم في كل مراحله, خاصة ما له علاقة بالتدريب والتأهيل المهني والفني منذ وقت مبكر, فقد كان التدريب المهني تابعا لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية سابقا, والتعليم الفني (صناعي, تجاري, وزراعي .. إلخ) جزء من وزارة المعارف آنذاك قبل ضمهما معا في المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني حاليا منذ عام 1400هـ, ورغم ذلك كله وجدت البطالة وتزايدت حتى وصلت إلى نسب عالية خاصة في بلد مثل المملكة. وجاء الجواب الشافي عن مثل هذا التساؤل على لسان الدكتور القصيبي في ثنايا تصريحه أو تعليقه على نتيجة بحث القوى العاملة, حين أعاد السبب إلى ضعف التدريب وعدم ملاءمة تخصصاته مع احتياجات سوق العمل, إلى جانب عوامل أخرى هي نتيجة وليست سببا مباشرا.
ما أريد التوقف عنده في هذا السياق هو ما أكده الدكتور القصيبي في تحديد الأسباب الجوهرية للبطالة, وهي ضعف التدريب وعدم ملاءمته احتياجات سوق العمل, وهما نقطتان أساسيتان تعكسان صلب المشكلة. وهنا أورد وجهة نظر مهمة تحدد وتشخص أسباب نشوء مشكلة البطالة لدينا, التي ترى أن مشكلة البطالة ليست ناتجة عن قلة أو شح في الفرص الوظيفية بقدر ما هي نتيجة لعدم توافر اليد العاملة المدربة مهاريا ومؤهلة بثقافة العمل المطلوبة, وهذا ما أشار إليه الدكتور القصيبي, وهو المسؤول المباشر هنا. وحين ذكر عدم تجاوب جزء كبير من منشآت القطاع الخاص مع السعودة أو توطين الوظائف فلهذا أسبابه المفهومة والمتناسقة مع اعترافنا بأن من الأسباب الموضوعية ضعف التدريب وعدم ملاءمة برامجه مع السوق, فنحن لا نملك إلزام القطاع الخاص وإجباره على التجاوب الفاعل مع برامج السعودة ما لم نوفر الأيدي العاملة المدربة والماهرة, فلا يمكن مطالبته بإحلال سعوديين محل عمالته الأجنبية هكذا ومن باب الوطنية دون أن نأخذ في الاعتبار مصالحه. ومن دون شك القطاع الخاص ليس مستعدا لأن يغامر بإحلال اليد العاملة السعودية ضعيفة التدريب وبرامج لا تتطابق مع متطلبات سوق العمل بدل عمالته الأجنبية التي توفر له الإنتاجية المطلوبة بأقل تكلفة, ومع هذا لا يخفى أن القطاع الخاص يستغل ضعف تدريب السعوديين في التهرب من استحقاقات السعودة, ولا ننكر هنا أنه يتباطأ في السعودة بقدر الإمكان والشاهد على ذلك أن تجاوب كثير من شركات القطاع الخاص أقل من المطلوب, والدليل على ذلك أن كثيرا منها يقدم فرصا وظيفية للسعوديين لا تتوافق مع حجم العمالة الأجنبية لديه, وإن جل همه هو التوقف عند نسبة السعودة المطلوبة منه نظاما, وهو ما أشار إليه أيضا الدكتور غازي القصيبي. وهو ما يعني أن مشكلة البطالة مركبة, حسب التعبير الاقتصادي, أي أنها نتاج ضعف التدريب وتهرب القطاع الخاص وهو ما يتطلب وضع حلول جذرية من الناحيتين.
الجهود التي بذلتها وتبذلها وزارة العمل, كما أشار الدكتور القصيبي, في التوظيف لتلك الأعداد, التي لا بأس بها, جهود مشكورة وجيدة, ولكن السؤال هنا هو: كم عدد من استمر ممن تم توظيفهم إذا كنا اعترفنا مسبقا بضعف التدريب وعدم ملاءمة برامجه مع متطلبات سوق العمل؟ فليس المهم هنا كم تم توظيفهم لأن الأهم هو أن نتأكد أن معظم من تم توظيفهم بقوا واستمروا وأخذوا مواقع عمل حقيقية لا وهمية أو شكلية فقط كما هو حادث في كثير من المواقع. وما هو معروف أن كثيرا من منشآت القطاع الخاص توظف مجاراة للسعودة وتستخدمهم في مواقع ثانوية إلا من قلة فرضت نفسها بعملها وإنتاجيتها, وبعضها تضعهم كواجهة للسعودة وتستغني عنهم بعد فترة بحجة عدم الفاعلية والإنتاجية, في الوقت الذي كان يجب ألا يتم التوظيف إلا بعد فترة تدريب مركز يتوافق مع متطلبات العمل والتأكد من أن من يتم توظيفه احتل فعلا موقعا كان يشغله أجنبي لضمان حقيقة التوظيف وجديته.
الحقيقة التي يجب ألا نخفيها أن البطالة هي نتاج عوامل ليست مرتبطة بأسبابها الأساسية وأهمها عدم توافر الفرص الوظيفية, بل تعود كما ذكر وزير العمل إلى ضعف التأهيل وبرامج تدريب غير ملائمة لحاجة سوق العمل ولعدم تجاوب القطاع الخاص كما يجب مع السعودة, وهذه جميعا أمرها سهل حين نضع برامج تدريب فاعلة تلبي حاجة سوق العمل. والتدريب الحقيقي ليس فقط عناوين وبرامج ومنشآت وإدارات وأسماء بقدر ما هو تأهيل فاعل وحقيقي مبني على رؤية استراتيجية مرتبطة بسوق العمل عضويا. فبعد كل هذه السنين لا بد أن نسأل أنفسنا: ماذا فعلنا؟ وماذا نفعل؟ وبعد هذه التجربة الطويلة لماذا لا نجد شبابنا منخرطين في سوق العمل كما هو مفترض؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي