رجال الأعمال يريدون الاستثمار في المشاعر .. والعلماء يرفضون؟

رجال الأعمال يريدون الاستثمار في المشاعر .. والعلماء يرفضون؟

دخلت قضية الاستثمار في المشاعر المقدسة في جدل واسع بين علماء الدين الذين يرون في هذا النوع من الاستثمار تجاوزا شرعيا على الأحاديث التي وردت في تحريم البناء في المشاعر المقدسة، كونها منطقة مناخ لها نوع من الخصوصة, في حين يرى رجال أعمال ومستثمرون أن ذلك طريقة لاستغلال المشاعر المقدسة سياحيا وتحويلها إلى مزارات للمعتمرين والسواح طوال العام. وهو الأمر الذي يعد أسلوبا من التوعية بالمواقع الدينية التي لها مكانة عند المسلمين وطريقة حديثة لتعريفهم بخطوات نسك الحج.
وتأتي هذه التطورات في رد على بعض المطالب التي تقدم بها رجال للاستثمار في المشاعر المقدسة ما اعتبره بعض العلماء والمشايخ مخالفة شرعية.
ويرى عدد من رجال الأعمال والمستثمرين، أن هناك أفكارا استثمارية لاستغلال المشاعر المقدسة والمزارات الدينية على مدار العام وعدم اقتصارها على وقت محدود في العام, فيما يرى المعارضون لهذا التوجه من رجال الدين، أن هذه المواقع خصصت لأداء العبادة فلا ينبغي استغلالها بأي نوع من الاستثمار حفاظا على الخصوصية.
ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن الاستثمار في المشاعر المقدسة، يجب أن يكون في حدود توفير الخدمات بأسعار رمزية، مثل إيصال الأفواج السياحة إلى موقع الجمرات وجبل النور, مزدلفة, عرفات, في خطوة تهدف إلى توعية الزوار والمعتمرين بالمواقع الدينية وتشرح لهم ميدانيا، أهمية هذه المواقع والأحاديث النبوية المرتبطة بها.
وكشف لـ" الاقتصادية" الشريف منصور أبو رياش عضو الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة، أن مجموعة من رجال الأعمال تقدموا بطلب إقامة مشروع تلفريك في جبل النور، الذي كان يتعبد فيه الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وكذلك تلفريك آخر في جبل ثور الذي اختبأ فيه خلال هجرته إلى المدينة المنورة. ويهدف المشروعان إلى إيصال الزوار من الحجاج والمعتمرين إلى هذه المواقع التي تعتبر من أهم المزارات التي يحرص الزوار في الوصول إليها على الرغم من المخاطر التي يواجهونها، مشيرا إلى أن المشروعين يخضعان إلى دراسة جادة، ولكنه واجه رفضا قويا من علماء الدين الذين نهوا عن الدخول في مثل هذا النوع من الاستثمار، الأمر الذي دفع برجال الأعمال إلى المطالبة بتدخل جهات شرعية لحسم القضية.
وقال الشيخ محمد المنجد الداعية المعروف والمشرف على موقع الإسلام اليوم إن الاستثمار في المشاعر المقدسة ينبغي إن يحال إلى جهة فقهية أو لجنة شرعية ذات علم راسخ وفهم صحيح وإدراك لأثر مثل هذه المشاريع، مشيراً إلى أن مثل هذا المشروع يمكن أن يحصل منه منافع كالتعرف على أماكن الحج وعلى طبيعتها وهي فارغة. ثانياً الأرباح التي سيجنيها التجار خلال تنظيم هذه الزيارات، ولكنه يحمل مفاسد كبيرة ومتعددة مثل اختلاط الرجال بالنساء، والتبرج الحاصل في الأفواج السياحية، حيث إنه لا يمكن افتراض أن جميع النساء محجبات وأن هذا المشروع سيؤدي إلى السفر إلى أماكن لا يشرع إليها السفر للتعظيم كقصد مسجد الخيف ومسجد البيعة ونحو ذلك، وقد قال صلى الله وعليه وسلم، "لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد". إضافة إلى أنه يؤدي إلى احتساب الأجر في السفر إلى بقاع ليس لها خصوصية تعبدية إلا في وقتها الخاص فيفضي الأمر إلى وجود صور من العبادة في غير وقتها، ومن المعلوم أيضا أنه لا يوجد في المشاعر المقدسة أي معالم سياحية مثل الحدائق والشلالات والغابات ونحوه وأضاف الشيخ المنجد أنه من السلبيات أيضا لهذا المشروع، أن الاستثمار في المشاعر المقدسة سيؤدي إلى المطالبة بإنشاءات سياحية مثل الفنادق والمطاعم والاستراحات في المشاعر، التي يجب تقديسها وصونها عما يشينها أو ينقص من قدرها، فضلا عن أنه لا يجوز البناء فيها أصل
ويشير إبراهيم أمجد رجل أعمال وعضو اللجنة الوطنية للمقاولين إلى أن الاستثمار الذي يتوجه إليه المستثمرون يهدف إلى تطوير الخدمات المقدمة في هذه المواقع ومنها استغلال سفوح الجبال وإنشاء مواقع لخدمة الزوار، ويعتبر المشروع الذي تقدم به رجال الأعمال لإقامة مشروع تلفريك سياحي يقوم بنقل الزوار إلى أعلى المناطق العالية في جبلي ثور والنور, حيث تعمل هذه الآلية على حماية الحجاج والزوار من حوادث السقوط، التي يتعرضون لها, إضافة إلى أن تنظيم برامج جولات على المشاعر المقدسة من خلال المجموعات السياحية وتعيين دعاة يشرحون أهمية المواقع والطرق الشرعية في التعامل معها، لأن كثيرا من الزوار لهذه المواقع لديهم معتقدات خاطئة، وبالتالي فإن برامج التوعية الدينية تحد من المخالفات الشرعية. ويرى رجال أعمال ومستثمرون سعوديون في المشاعر المقدسة مناخا مناسبا للاستثمار، إلا أن بعض الطلبات والمقترحات، التي قدموها لا تزال قيد النظر والدراسة لدى المسؤولين ومنها مشروع الاستفادة من سفوح جبال منى في مكة المكرمة، ويقدر حجم الاستثمارات فيه بأكثر من ستة مليارات ريال. ويتضمن المشروع المقترح تقديمه، تهذيب جبال منى والاستفادة منها في إسكان الحجاج القادمين من الخارج وأيضا حجاج الداخل، مع توفير ممرات وطرق خدمات.
وتظل المشاعر المقدسة المزار الأكثر تألقا وحميمة في أفئدة ملايين البشر، من مشارق الأرض إلى مغاربها، وبما أنها تنفرد بهذه الميزة فإيجاد برنامج سياحي للأماكن المقدسة في المملكة أمر مهم بل مطلوب.
ويتمثل البرنامج في زيارة كل من مشعر منى، بما فيها من إمكان الذبح ومنطقة الجمرات، ومحلات الإقامة، ومسجد الخيف ومسجد البيعة، وعرفات بما فيها مسجد نمرة وجبل عرفات ومزدلفة – المشعر الحرام- إضافة إلى الحرم المكي بما فيه الصفا والمروة والكعبة المشرفة، وكذلك الحرم المدني، والبقيع، والمساجد السبعة بالمدينة المنورة.
ويرى الشيخ محمد خضر - داعية إسلامي - أن تخصص لهذا الغرض لجنة سياحية خاصة تتشكل من السياحة والشؤون الإسلامية وشؤون الحرمين تشرف إشرافا تاما عليها وعلى البرامج، التي تقوم بها اللجنة فيما يخص الزيارة، معتبرا أن هذه فكرة سياحية رائعة ومثمرة، لأنها تقوم على زيارة أماكن لا تتكرر في بلد آخر غير المملكة. كما أنها ستكون زيارة توعوية للحجاج والمعتمرين والزائرين بحيث تمثل لهم بروفات على مناسك الحج والعمرة بالتفصيل وبالشرح في أوقات غير أوقات الموسم.
وقال لا أرى أي تعارض شرعي في إيجاد هذه اللجنة الخاصة، لأنها ستكون عاملا مساعدا على السياحة الدينية، التي تتميز بها المملكة في مواسم الحج ورمضان والعمرة في مناسبات أخرى، وستكون عاملا توعويا للحجاج، وهو ما تسعى إليه المملكة بكل جهاتها الشرعية والرسمية والشعبية الأخرى، وتنفق الملايين عليه من أجل ألا يقع الحجاج في كوارث الجهل بالمكان والزمان.

الأكثر قراءة