الفقر: مطرقة الأسعار وسندان الريال

[email protected]

إعلان وزير الاقتصاد والتخطيط الأستاذ خالد القصيبي أنه تم تقليص نسبة الفقر الذي حدد وعرف بـ "المدقع والجوع" إلى النصف وأنه سوف يتم القضاء عليه نهائيا بحلول عام 2015، يعد خطوة إيجابية وأساسية في تنفيذ استراتيجية معالجة حالات الفقر بصفة عامة, خصوصا في بلد يفترض أن تكون فيه استثنائية ونادرة، والأكثر أهمية في هذه الاستراتيجية هو ألا تقتصر نظرتها وعنايتها على حالة واحدة وهي الجوع والإدقاع، لأن مشكلة الفقر هي في أنه متعدد الأشكال والمستويات، ومستوى الفقر الذي أعلن الدكتور القصيبي عن تقليصه واعدا بالقضاء عليه في المستقبل القريب مع أهميته, يمثل النسبة الأدنى والأقل في مستويات الفقر الذي يستغرب وجوده أصلا في مجتمع تمثل فيه الزكاة ركنا أساسيا من أركان معتقده الديني، وشيء جميل بل وضرورة إنسانية البدء بمستوى الفقر (المدقع والجوع) لكونه يمثل حالة طارئة لا يمكن تأجيلها أو التباطؤ فيها، ولكن على ألا ننصرف عن الاهتمام بمستويات أخرى من حالات الفقر لا تصل لمستوى الجوع والإدقاع, ولكنها سوف توصل إليه مستقبلا إن لم نعالجها مبكرا، وهذا يعني أن تشمل عملية مكافحة الفقر محاصرة مسبباته وبذوره حتى لا تصبح من نوع الثابت المتواصل الذي يوصف بأنه جماعي هيكلي، ولا يجب أن ننتظر حتى نصل لذلك.
لا نسعى في هذا المقال لمناقشة حالة الفقر بصفة عامة، وهي حالة عالمية ودائمة لا يخلو منها بلد، ولكن نريد إلقاء الضوء على ما يخصنا، فالفقر حسب تعريف منتدى العالم الثالث هو "عدم القدرة على تحقيق مستوى معين من المعيشة المادية يمثل الحد الأدنى المعقول والمقبول في مجتمع من المجتمعات في فترة زمنية محددة"، ولو أردنا تطبيق هذا التعريف على وضع الشريحة الأوسع في مجتمعنا السعودي، وأقصد بها الطبقة الوسطى والمصنف أفرادها بمحدودي الدخل، من ناحية المعيشة والدخل والمصروف, لوجدناها واقعة حاليا في بؤرة "عدم القدرة المادية" وهو ما يجعلها تتأرجح ما بين خط الفقر، البعيد عن مستوى الجوع المدقع، والاكتفاء في حده الأدنى بل وما دونه، ويمكن قياس ذلك على قدرة هذه الشريحة على تلبية احتياجاتها المعيشية في ظل تصاعد نسبة الأسعار المتتالية سنة بعد أخرى، وخصوصا الموجات الحادة كما حدث ويحدث لكل السلع الأساسية منها والكمالية هذه الأيام، وهو ما يخشى أن يؤدي لسحبها لحدود منطقة الفقر فعليا بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني وثبات أسعار كثير من السلع على ذلك الارتفاع حتى ولو زالت الأسباب إن وجدت من ناحية، ومن جانب آخر تناقص قدرة الريال الشرائية التي وصلت إلى 30 في المائة حسب إحصائيات وزارة التجارة والصناعة ومؤشرات المستوى المعيشي، وهو ما يعني تدني مستوى دخل الفرد حقيقة وليس بحساب نسبة الدخل العام الذي هو مؤشر على الورق فقط، وهنا لا بد أن نشير إلى أن المشكلة ليست في كم الدخل، ولكنها في تناقص قدرته الشرائية تحت ضغط ارتفاع الأسعار التي تمثل الغول المخيف الذي سوف يوصل غالبية الطبقة الوسطى إلى حدود الفقر ما لم يكبح جماحها، فحسب الإحصائيات ارتفعت أسعار كثير من السلع الضرورية والكمالية بنسب تفوق الـ 100 في المائة، ويعكس ذلك قياس مستوى المعيشة في المملكة، الذي ارتفع خلال عام 2006 بنسبة 1.8 في المائة مقارنة بما كان عليه في عام 2005، والتي يقدرها البعض بأنها الأعلى منذ 11 سنة.
لا أريد إغراق القارئ بأرقام ونسب لكون حالة المعيشة التي تتدنى سنة بعد أخرى بسبب الفجوة الخطيرة التي يسببها ارتفاع نسبة الأسعار, لا تحتاج إلى استدلال، لأن الأهم هو رؤية انعكاساتها الخطيرة على حياة الأفراد والأسر ومن ثم المجتمع، وفي هذا الصدد يرى الدكتور عصام مصطفى خليفة عضو جمعية الاقتصاد السعودي (عكاظ 19 أبريل) أن أهم النتائج السلبية لانخفاض المستوى المعيشي بسبب تدني الدخل الحقيقي للفرد نتيجة لزيادة المستوى العام للأسعار والذي يقضم أي زيادة في الدخول النقدية للأفراد، هو في نشوء عدة مشكلات على المدى البعيد كحدوث خلل في توزيع الثروة بين أفراد المجتمع نتيجة استفادة البعض كالتجار من ارتفاع الأسعار وتضرر المستهلكين، مضيفا أن غلاء الأسعار ينتج عنه ارتفاع دخل طبقة معينة وتدني المستوى المعيشي للطبقات الأخرى، أي ـ كما يرى ـ وهو حقيقة، أن الغني سوف يزداد غنى والفقير يزداد فقرا، وهذا أكبر مؤشر على مرحلة سوف تتوسع فيها دائرة الفقر بعكس طموحات وزارة الاقتصاد والتخطيط بالقضاء على الفقر بعد ثماني سنوات، لأننا سوف نواجه حالات عوز حقيقي لن يصل إلى حد الجوع ولكنها سوف تؤدي إلى ظهور حالات فقر لها مواصفات أخرى، إلا إذا انتظرنا حتى تصل حالة الفرد إلى حد الجوع وهو الدرك الأسفل للفقر..!! وهو أيضا ما حذر منه الدكتور خالد البسام الباحث والأستاذ المشارك في قسم الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز في تقرير متكامل (الشرق الأوسط 30 مارس) من الآثار الاجتماعية "المدمرة" التي قد تصيب المجتمع السعودي والمتمثلة في محو وإلغاء الطبقة الوسطى جراء عدم قدرتها على مواجهة تفاقم الأسعار، مشيرا إلى أن ذلك سوف يؤدي إلى إحداث خلل في تركيبة المجتمع مما سوف يقود إلى اتساع قاعدة الفقر..!!
إن معالجة حالات الفقر مسألة أساسية وأحقية مشروعة في ظل مبدأ تكافل إسلامي ومسؤولية الدولة عن رعاياها ومستوى الدخل العام المرتفع، وإن لم نفعل ذلك فإن الضغوط الشديدة التي تتعرض لها مستويات معيشة الشريحة الأوسع من المواطنين بسبب الفجوة الخطيرة التي سوف توجدها نسبة ارتفاع الأسعار ستؤدي حتما لاتساع قاعدة الفقر على الأقل لمستوى "عدم القدرة" على تلبية احتياجات ضرورية وأساسية بالقدر الكافي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي