بين الإقراض العقاري وتطورات القطاع المالي

[email protected]

شهدت السنوات الأربع الماضية تطورات كمية ونوعية في القطاع المالي السعودي تمثلت نوعياً في الترخيص لعدد من البنوك الاستثمارية وشركات الوساطة من قبل هيئة السوق المالية، الترخيص لعدد من شركات التأمين لفتح المنافسة في هذا القطاع الحيوي، والعمل على الترخيص لشركات إقراض المساكن أو شركات الرهن العقاري. أما كمياً، فالتوسع في تراخيص البنوك الاستثمارية وشركات الوساطة وفي الترخيص لشركات تأمين جديدة بشفافية كبيرة يدل على حرص الجهات الاقتصادية التشريعية والتنظيمية على إتاحة الفرصة لقوى السوق للارتقاء بقطاع الخدمات المالية بما ينسجم مع متطلبات اندماج الاقتصاد الوطني في الاقتصاد العالمي والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. إذن، فالتحولات الحديثة في القطاع المالي تعتمد في الدرجة الأولى على تحرير القطاع بتوفير المنافسة وتنويع الخدمات بشكل يتيح مجالاً لتقديم الخدمات المتخصصة.
ومن العبث الجدل بشأن فوائد برامج التخصيص وتحرير مختلف القطاعات الاقتصادية التي أخذت مكاناً في السنوات القليلة الماضية، وبالذات بعد أن لمس المواطن فوائد التخصيص وتحرير القطاعات للمنافسة بعد تجربة قطاع الاتصالات، حيث ارتفعت مستويات الخدمات المقدمة، تحسن سير المعاملات، ارتفعت كفاءة التشغيل، انخفضت أسعار الخدمات، وأصبح الحصول على خط هاتف أو جوّال في متناول الجميع.
وفي هذا السياق، ورد في تقرير للزميل فهد البقمي في "الاقتصادية" يوم الإثنين 13/8/2007 ما يلي: "تعكف شركات التأمين في السعودية على مراجعة أسعار بوليصة التأمين لطرحها ضمن لائحة سعرية جديدة تتماشى مع طبيعة المنافسة التي بدأت في الصعود مجددا, بعد أن شرعت 14 شركة في العمل فعليا في السوق، في الوقت الذي استوفى أكثر من 13 شركة المتطلبات المالية والفنية والإدارية للترخيص بمزاولة التأمين." إذن، وكما كان تحرير قطاع الاتصالات والسماح بالمنافسة حافزاً لخفض أسعار الخدمات والتسابق لخدمة العملاء، فإن القصة نفسها تعود الآن مع تحرير قطاع التأمين والترخيص لعدد أكبر من الشركات التي ستتنافس لإرضاء العملاء ورفع حصتهم السوقية أمام المنافسين من الشركات الأخرى. بيد أن المهم أن يتم التشديد في مراقبة سير المنافسة بين شركات التأمين بطريقة لا تؤدي إلى الإضرار بخدمات عملاء شركات التأمين، أي أن يتم تفادي تمرير تخفيض التسعير إلى المستهلك من خلال تخفيض مستوى الخدمات والمماطلة العقيمة في التعويضات أياً كان مجال التأمين.
وبالتحول للبنوك الاستثمارية وشركات الوساطة، فإن التوسع في إصدار التراخيص لها وتحرير القطاع ليس مماثلاً لقطاع الاتصالات والتأمين، حيث إن هيكل الاحتكار في القطاعين الأخيرين كان يتميز بوجود محتكر واحد مهيمن على السوق، أما قطاع خدمات البنوك الاستثمارية فيتميز باحتكار القلة قبل البدء في الترخيص لشركات الوساطة لكون اللاعبين الأساسيين في هذا المجال هم البنوك التجارية التي استفادت وستستفيد من عمليات الدعم التابعة لأقسام الخدمات البنكية الأخرى التي تعطيها ميزة تنافسية على الداخلين الجدد لساحة البنوك الاستثمارية، إلا أن هذه الميزات التنافسية قد تتضاءل حين يجد الداخلون الجدد إلى هذا القطاع ثغرات في استراتيجيات أذرع المصرفية الاستثمارية التابعة للبنوك التجارية وبكسب ثقة قطاع الأعمال.
وبالنسبة للتغير الثالث في هيكل قطاع الخدمات المالية المتمثل في الترخيص لمؤسسات الرهن العقاري أو الإقراض العقاري، فإن كم التراخيص وكيفها ما زالا متواضعين على الرغم من توافر بعض المتطلبات كالسوق المالية لإدراج القروض المدعومة بالأسهم وقدرة البنوك التجارية على تحويل منتجات الإقراض العقاري إلى شركات رهن عقاري كما فعلت لتحويل منتجات المصرفية الاستثمارية إلى بنوك استثمارية. لذلك، فالخطوة التالية المتوقعة لإعطاء الزخم لنمو القطاع المالي تكمن في الترخيص لعدد كبير من شركات الرهن العقاري تتنافس في توفير التمويل للعملاء أفراداً وشركات بما يحقق كفاءة للقطاعين المالي والعقاري وبما يضمن التزام هذه الشركات بمتطلبات الإقراض والتمويل التي يجب أن تكون دقيقة كحال متطلبات البنوك التجارية والرقابة الصارمة عليها، وبما يمنح الثقة للمستثمرين في الأوراق المالية التي تطرح من قبل هذه الشركات في السوق المالية.
وفي الوضع الحالي لاحتياجات الإسكان الوطنية واستحواذ البنوك التجارية على منتجات الإقراض السكني، من المهم الشروع في الترخيص لشركات الرهن العقاري، فالبنوك التجارية تعتبر الإقراض العقاري منتجا ثانويا لسبب رئيسي يتمثل في كون إقراض الشركات أقل تكلفة بكثير من إقراض الأفراد، وأن مخاطرة الإقراض العقاري للأفراد تنظوي على توثيق مكلف ومتابعة لصيقة لسوق العقار.
وختاماً، للتوسع الكيفي والكمي في سوق الرهن العقاري، من المهم على الجهات التشريعية والتنظيمية تصميم نظام متحفظ يضمن الترخيص لشركات الرهن العقاري لإقراض جميع شرائح المجتمع ضمن بيئة تنافسية عادلة تكون قوى السوق هي الحكم فيها للوصول إلى العدد العادل اقتصادياً بين المتنافسين. ومع وجود الهيكل السليم والتغطية المتحوطة والمتحفظة، لن يكون هناك ذاك الوجل من انهيار سوق الرهن العقاري في السعودية، كما حدث في الولايات المتحدة هذا الشهر.

* كاتب وباحث سعودي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي