نظام التسوية الواقية من الإفلاس بين تفعيله أو تعطيله
هناك تداعيات في تاريخ العالم لا يمكن تجاوز التأثيرات التي تخلفها، ومن الطبيعي أن تترك أثرها في الإنتاج والائتمان، وقوى التغيير، والبنى الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وما زالت هذه التداعيات تتعاظم بسبب الأزمة المالية، إلى أن طالت بعض المنشآت التجارية والصناعية السعودية.
ومن يستحضر اليوم تطور المنشآت التجارية والصناعية والمهنية السعودية يستبين له كيف أصبحت هذه المنشآت جزءاً من عالمه، يتعطل بتعطلها، وهو ما يستدعي العودة إلى الدور الذي ساهمت من خلاله الحكومة كشريك استراتيجي في صناعة المنشآت بإنجازاتها وجعلتها جزءاً من مشروع تنموي للمملكة العربية السعودية، ولذا لم يغب عن القائمين على الشأن التجاري آنذاك المحافظة على هذه الكيانات من عثرات المستقبل وتقلبات الأحداث بسن تنظيم التسوية الواقية من الإفلاس، في شكل نظام يرمي إلى إقالة التاجر المدين حسن النية سيئ الحظ من عثراته، ومعاودة نشاطه، وتجنيبه شهر إفلاسه، وإعادة تسوية أوضاعه المالية، والموازنة بين مصلحتها ومصلحة لدائنين بتمكينهم من استيفاء حقوقهم، بما يوفق بين جميع مصالح الأطراف ويحقق في النهاية حماية الاقتصاد الوطني.
ومع ما أفرزته أزمة الائتمان حالياً فإن الحاجة أصبحت ماسة لأعمال تفعيل النظام، حيث يصادف عدد من المشروعات والمنشآت الاقتصادية التجارية بالمملكة بعض الصعوبات التي أدت إلى اضطراب أعماله وتوقف بعضها عن سداد التزاماتها المالية، الأمر الذي سيكون له أثره في الحياة الاقتصادية.
ولذا فإنه وفقا لنظام التسوية الواقية من الإفلاس فإن لكل تاجر – فرداً كان أو شركة – اضطربت أوضاعه المالية على نحو يخشى معه توقفه عن دفع ديونه، أن يتقدم بطلب الصلح الودي مع دائنه، وإن تعذر إجراء الصلح الودي الواقي من الإفلاس، كان له أن يتقدم للقضاء بطلب دعوة دائنيه ليعرض عليهما تسوية واقية من الإفلاس بعد تقديم الأسباب الداعية لذلك وضوابط التسوية وآليات تنفيذها.
وتعد دعوى التسوية الواقية من الإفلاس من الطلبات المستعجلة لإصدار قرار بافتتاح إجراءات التسوية التي يشرف عليها القضاء، التي لها أن تصدر أمراً باتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على أموال المدين، أو لإدارتها، إلى أن يتم الفصل في طلبه، كما يجوز لها ندب خبير أو أكثر على نفقة المدين لتقديم تقرير عن حالته المالية وأسباب اضطرابها.
ومع ذلك يبقى التاجر بعد صدور قرار بافتتاح إجراءات التسوية قائماً على إدارة أعماله تحت إشراف رقيب تعينه المحكمة وله أن يقوم بكل التصرفات العادية التي تقتضيها أعماله.
إلا أن ذلك مقيد بعدم عقد صلح أو رهن أو كفالة أو أن يتبرع بشيء من ماله أو أن يجرى تصرفاً ناقلاً للملكية لا تستلزمه أعماله التجارية.
ولا يعني صدور قرار بافتتاح إجراءات التسوية حلول آجال الديون التي على التاجر، ومع ذلك فإن التسوية لا تنعقد إلا بموافقة الأغلبية العددية والقيمية للدائنين الحائزة ثلثي الديون العادية غير المتنازع عليها، وعندئذ تسري التسوية على جميع الدائنين الذين تعتبر ديونهم عادية حتى ولو لم يشتركوا في إجراءاتها، أو لم يوافقوا عليها وذلك لحماية صغار الدائنين من تحكم أقلية كبار الدائنين.
ولكن لكل ذي مصلحة أن يتطلب فسخ التسوية إذا لم يقم التاجر بتنفيذ شروطها، أو وجد تدليسا خلال سنة من اكتشاف فعل التدليس، ونص النظام على عقوبات بالسجن إذا أخفيت معلومات بقصد الحصول على تسوية واقية.
إن حماية هذه المنشآت التي تعد جزءاً من استحقاقات مجتمع وصناعة دولة، وتوظيف أموال تدخل في حلقات الاقتصاد، يقوى بها الإنتاج، أمر أصبح ملحاً أمام تعنت بعض الدائنين، وأضحى تفعيل نظام التسوية الواقية من الإفلاس قائما على أسبابه بدلا من تعطيله لصالح البقاء في مشهد الصراع الائتماني.