خادمات سعوديات أم مديرات منزل؟ أم إخفاقنا المجتمعي؟
دعونا نبدأ بمناقشة قضايا عمل المرأة في وطننا بما ذكره وزير العمل الدكتور غازي القصيبي في صحيفة ''الشرق الأوسط'' في عددها 10025 تاريخ 12 ربيع الآخر 1427 هـ الموافق 10 أيار (مايو) 2009, حيث أوضح: (إن الاهتمام بدور المرأة ومشاركتها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية وزيادة فرص ومجالات العمل لها ليس وليد اليوم، وإنما بدأ قبل ربع قرن عندما بادر مجلس القوى العاملة منذ إنشائه في 1400هـ بإجراء دراسات لتنظيم عمل المرأة في المملكة مع مراعاة النواحي الشرعية والاجتماعية والاقتصادية والصحية ذات العلاقة بهذا الموضوع). وكشفت أن دراسات مجلس القوى العاملة عن توصيات لتنظيم عمل المرأة وفق أسس ومعايير تكفل لها العمل في مجالات معينة وبما يتفق مع تعاليم الشريعة الإسلامية، وتم رفع توصيات المجلس إلى المقام السامي الكريم في عام 1403هـ، وبناء على التوجيهات السامية، عـُرضت التوصيات على لجنة من كبار العلماء تم تشكيلها بالتفاهم مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، رحمه الله, أسفرت دراسات مجلس القوى العاملة عن توصيات بخصوص تنظيم عمل المرأة، أخذت مسارا كبيرا ما بين مجلس الوزراء السعودي وهيئة كبار العلماء، التي كان يترأسها آنذاك الشيخ عبد العزيز بن باز، كما يذكر الدكتور القصيبي, ثم صدرت الموافقة السامية رقم 111/8 وتاريخ 10/2/1408هـ على ضوابط ومجالات عمل المرأة في المملكة وفق ما رفعه المجلس، وبناء عليه أصدر مجلس القوى العاملة القرار رقم 1/م19/1405 وتاريخ 1/4/1408هـ الذي حدد ثلاثة مجالات رئيسية لعمل المرأة, وهي: التعليم, الصحة, والرعاية الاجتماعية، وأقر عملها في المجالات الأخرى التي طرقتها المرأة والتي يجب عليها شرعاً القيام به أو لا يصح للرجال القيام به كوظائف البنوك النسائية، وما يخص النساء من وظائف الأمن، وأعمال الوعظ والإرشاد للنساء وإعداد برامج الأطفال والأسرة للإذاعة والتلفزيون.
وإذا اختصرنا بعض ما جاء في خطط التنمية نجد أن خطة التنمية الخامسة 1410- 1415هـ قدرت دخول 60 ألفا من النساء السعوديات إلى سوق العمل خلال فترة الخطة ويتكون أكبر من نصف هذا العدد من خريجات الجامعات ويمثلن 44 في المائة من العرض الكلي للعمالة الجامعية، ومن المتوقع أن يبلغ عددهن في تخصصات العلوم الاجتماعية والطبيعية أكثر من نصف العرض الكلي في تلك التخصصات، لذلك فإن إيجاد الوسائل اللازمة والكفيلة بتشغيلهن واستغلال مهارات هذه الشريحة من المجتمع وفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية يمثل تحدياً في هذه المرحلة.
وجاءت الخطة السابعة لتضيف مزيدا من الموجهات وسياسات التوظيف والسعودة من خلال مواجهة تحديات قضايا تعليم وتدريب وتأهيل وتطوير وتوظيف العمالة الوطنية، ومساهمة المواطنين في القوى العاملة الوطنية في القطاعات الاقتصادية المختلفة, خصوصا القطاعات التي تتركز فيها العمالة الأجنبية، وتعميم عملية السعودة على جميع هذه القطاعات مع الاستمرار في إحلال القوى العاملة السعودية المدربة محل غيرها، وتطوير مخرجات التعليم والتدريب بما يتفق واحتياجات المجتمع المتغيرة ومتطلبات التنمية مع العناية بإعادة التأهيل والتدريب لرفع إنتاجية العامل بما يحقق الاستفادة القصوى من التقنيات والتجهيزات المستخدمة في الأنشطة التنموية.
الآن نحن في نهاية خطة التنمية الثامنة! ترى هل كان هناك تقدير لعدد النساء السعوديات اللاتي سيعملن خادمات في المنازل؟
في ورقة عمل بعنوان ''سـياسات العمل والسعودة وتحديات القرن الواحد والعشرين'' لنائب وزير العمل الدكتور عبد الواحد الحميد في ندوة الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي حتى عام 1440هـ (2020م) التي نظمتها وزارة التخطيط في تشرين الأول (أكتوبر) 2002 ذكر الدكتور عبد الواحد الحميد في الورقة الهيكل الفرعي للعمالة حسب النوع كالتالي:
في المهن التي أسهمت فيها المرأة السعودية في القطاع الأهلي جاءت في المقدمة المهن الخاصة بأصحاب المهن العلمية والفنية بنسبة 35.7 في المائة من إجمالي النساء السعوديات العاملات في هذا القطاع ثم العاملات في الأعمال الكتابية بنسبة 30.4 في المائة ثم العاملات بالعمليات الإنتاجية الأخرى بنسبة 21.8 في المائة.
أيضا أتساءل خصوصا أن الورقة تحمل بعدا مستقبليا يحدد الوضع حتى عام 1440 هـ: هل كان هناك تقدير لعدد من ستلجأ من النساء السعوديات إلى امتهان العمل في المنازل في دولة نفطية؟ ولديها أعداد عمالة أجنبية حسب أحدث الإحصائيات السعودية يتجاوز سبعة ملايين شخص يشكلون أكثر من 30 في المائة من عدد السكان البالغ 22 مليون نسمة؟ وهذه العمالة الأجنبية تشكل 27 في المائة من سكان السعودية, 6 في المائة من العاملين منهم فقط من العرب !
العمل الشريف ليس عيبا, نعم هذا صحيح, ولكن العيب أن نخفق في خططنا التنموية ومشاريعنا التعليمية والتدريبية والتأهيلية والضمان الاجتماعي, الذي يفترض أن يقدم خدمات لهؤلاء النساء تماما مثل أي دولة متقدمة, حيث يوجد هناك ما يسمى التأمين الاجتماعي يوفر خدمات اجتماعية لهن إلى أن تتوافر لهن وظائف أو يتم إيجاد حلول لمشكلاتهن فقد أكدت اللاتي عملن خادمات الآن (أن جميع العاملات يشتركن في أنهن معلقات لرفض أزواجهن تطليقهن أو إرجاعهن لسنوات، وأن الضمان الاجتماعي رفض قبولهن لأنهن معلقات ولم تصل أعمارهن 60 عاما.
وتقول آمنة (24عاما) وهي واحدة من بين 30 سعودية سجلن أنفسهن ضمن أول دفعة لعاملات المنازل السعوديات, إن الظروف المعيشية قادتها للعمل كعاملة نظافة حيث تعول أسرتها المكونة من طفلين, وهي حاليا معلقة ولا تجد من يعولها)!
العمل الشريف ليس عيبا, العيب هو قصورنا في أن نوجد تنظيما اجتماعيا يحمي هؤلاء من هذا الوضع, العيب أن نخفق في أن نجبر الجهات المسؤولة على تدريب هؤلاء الفتيات وهن لسن غير متعلمات, فبعضهن حاصلات على الثانوية, ويمكن بأنواع من التدريب والتأهيل أن يعملن في قطاعات نسائية عاملات وموظفات أمن كما هن الآن في الكليات وفي الجامعات.
ما الذي يمنع سيدات الأعمال اللاتي تنشر صورهن أن يتحدثن عن إنجازاتهن وأن يتوجن هذه الإنجازات بما يحفظ بناتنا من العمل (خادمات في منازل للسعوديين وغيرهم)؟!
لكل من يؤيد هذا العمل عليه أن يرسل ابنته كي تعمل خادمة في منازل الآخرين ليعرف ماذا يعني أن نجبر بناتنا لأننا أخفقنا في تأمين أمنهن الاجتماعي, فلجأن إلى هذا العمل.
ثم لا ننسى أن هناك قضايا خطيرة ستتولد من اضطرار فتياتنا إلى العمل خادمات في المنازل, سواء من استغلال الوسطاء الذين عاثوا فسادا في عمليات نصب للباحثات عن وظائف سواء من حيث مطالبتهن برسوم مالية عند تعبئة طلب الوظيفة والكذب عليهن فلا تتوافر الوظائف أو من التحرش الجنسي والابتزاز الذي تتعرض له الموظفات من قبل رؤسائهن من الذكور عديمي الضمير, فكيف سيكون الوضع داخل المنازل؟ من الذي سيقف حارسا عند الباب كيلا يعود رب المنزل من عمله مبكرا بأي حجة!! فهو منزله وهو حر في العودة متى شاء, فكيف نقدم بناتنا لقمة سائغة لأمثال هؤلاء؟
أين الأصوات التي شنفت أسماعنا بخطورة السائق وخلوته مع المرأة؟! أينها الآن والفتاة السعودية ستكون في منزل تكنس وتغسل وهناك رب بيت قد يعود كل لحظة؟ والقصص مؤلمة لما يصدر من أمثال هؤلاء الآن في غياب زوجاتهم في العمل سواء معلمات أو أي وظيفة أخرى.
افتحوا أدراجكم أيها المسؤولون عن توظيف النساء على وجه الخصوص, وأعيدوا النظر في جميع ما كنتم ترددون, وتذكروا تلك العبارات التي امتلأت بها الصحف تمجيدا لما وصلت إليه المرأة السعودية واسألوا أين هذا الإنجاز لهذه الشريحة الفقيرة من فتياتنا المضطرات إلى العمل خادمات؟
ويعلق الكاتب سعود بن هاشم جليدان في مقال في ''الاقتصادية'' (25 شباط (فبراير) 2009)، تحت عنوان '' الفقر سيسعود ما يراه المجتمع وظائف دنيا''، قائلا: ''ورد (...) أن امرأة سعودية دفعتها حالتها الاقتصادية للعمل كعاملة منزلية أو شغالة (خادمة) كما نحب أن نسميها. فمن الواضح أن الفقر والعوز قد دفع هذه المرأة لكي تعمل كعاملة منزلية رغم كل المعوقات التي تقف في وجه عمل المرأة السعودية في مثل هذا المجال''
ما أراه أن الفقر في دولتنا الغنية يفترض أن يكون (استثناء وحالة طارئة) لا بد من القضاء عليها لا أن نعتبرها مؤشرا لتغير اجتماعي أنا أراه سلبيا كي نتقبل ما كان مرفوضا.
وزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بعض الأحياء الفقيرة في الرياض، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2002 عندما كان وليا للعهد ،حفظه الله، وتأكيده على مواجهة الفقر بل نال جائزة هذا العام لهذا الدور المحوري الذي يتصدى له عالميا بمساعدة الدول الفقيرة. فكيف تأخرت إنجازات صندوق معالجة الفقر, ما دفع ببناتنا إلى هذا الدرك من الوظائف؟
ثم لا ننسى, وهذا مهم جدا, تأكيد الأمر السامي رقم /7ب/15909 وتاريخ 12/9/1429 هـ بضرورة إيجاد فرص عمل للمرأة السعودية بما يحفظ كرامتها ويعينها على إيجاد دخل ثابت ومستمر.. فهل قيام بناتنا بالعمل خادمات هو الفرص المتاحة التي تحفظ كرامتها؟
** يقول سيد البشرية - صلى الله عليه وسلم: ''استوصوا بالنساء خيرا'' في خطبة الوداع, فهل قيام بناتنا بالعمل خادمات هو تنفيذ لهذه الوصية؟